فتاة أو فتى بسيط قد يكون على الهامش لا عنوان له¡ تعليم محدود¡ فكر متواضع¡ أمنيات خشنة¡ "شوشة" معقودة¡ تتملك/ يتملك جهازاً ذكياً هي أو هو يتموضع في مكان يضع عدسة جهاز ليقدم نفسه.
بعبارات ركيكة وفكر متهالك يبدأ التسجيل¡ ويجمّل/ تجمل الصورة¡ ويحاول أن "يتميلح/ تتميلح" فيقدم مادته¡ ومحتواه العشوائي بلا تورع وتردد¡ فينطلق في رحلة لفت الأنظار له.. لديه استعداد كبير لفعل كل ما يتطلبه جذب الانتباه.. أضحكني كثيراً حين اقترح صاحبه أن يلبس ثوباً أحمر وهو يتكلم.. أو ليقلّب كلامه¡ وحركاته¡ فـ"يستهبل/ تستهبل" بعدها سيجد متابعة كبيرة.
يتحول بعد فترة إلى خطيب خطيبة "سنابي/ بية" أو متحدث مثقف لا يمنع لسانه من التفنيد والتبرير وطرح الحلول فيخوض في قضايا مختلفة بآراء سطحية هشة لا يدرك حقيقتها¡ ولا يستوعبها مثله¡ يخوض في الأمور الدينية ومرة في العلمية¡ والاجتماعية مرة أخرى¡ والسخرية مرات.
وتحدث الأعجوبة فيلاقي/ تلاقي قبولاً لافتاً¡ عدد مشاهدات كبيراً جداً.. ليست المشكلة هنا فاليوم الكثير يمكن أن يشتهر لو طبق قاعدة "خالف تعرف" و"شذ لتشد".. فالتقنية صنعت من المهمشين مهمين لدى الكثير.
المشكلة العظمى تكمن في أن فلسفة القدوة بدأت تتشكل على مقاصل التفاهات التي يبثها أولئك حيث ينصّبون أنفسهم/ هن بلا قصد كقدوات¡ ويتخذهم المساكين أسوات.. هؤلاء أصبحوا وأمسوا القدوات الجدد عند فئات وشرائح مختلفة خصوصاً المراهقين و"الخفيفين".
صارت المحاكاة وسيلة للإشباعات وتحققها¡ وغدا التقليد أسلوب حياة.. بل انقلبت موازين الرؤى عند البعض¡ حيث أصبح بعضهم يفكر بنفس عقلية أولئك الفارغين القدوات الجدد.. وتشوهت معايير القيم عند البعض حيث تداخلت الأهواء بالأخلاق¡ وتسممت الأفكار بالشوائن¡ وتلوث السلوك بالشوائب.
القدوات الجديدة هي آفات مجتمعية تنتشر وتنتثر حولنا في مساقط وسائل التواصل ينقاد إليها¡ ويتبعها البسطاء المسلوبون.. ومع خفوت الرقابة الذاتية¡ وإهمال الرقيب الأسري والمجتمعي تتكثف فاعلية أولئك القدوات الذين يصنعون فوضى ثقافية واجتماعية وأسرية تسهم في التفريط القيمي¡ والتساهل الأخلاقي¡ وتساعد على الخلافات والتكلف والتفكك.
ويبقى القول: لفت الانتباه الأخلاقي لا يحتاج "لتميلح" أو شذوذ في السلوك¡ أو مخالفة للقيم¡ مجانبة الحق¡ أو لبس قصير¡ ولسان طويل¡ أو ضحكات سافرة¡ أو كذبات متكررة¡ أو مقالب ساقطة.. ولكل متابع لأولئك لا تصدقوهم¡ لا تعطوهم مكانة أكبر من مقامهم.. هم ليسوا قدوات لتسلكوا منهجهم¡ وتؤمنوا بخياراتهم¡ وتتقمصوا حياتهم¡ وتقلدوا مضامينهم¡ وتتبعوا أفكارهم¡ وتحاكوا تقليعاتهم¡ ولكل من يتلاعب بعقول البسطاء: دع ضميرك نائمًا سيوقظه صراخ ابنك يوماً في ما أسقطت فيه الغير.




http://www.alriyadh.com/1860250]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]