نشأت الحوكمة قديماً في حضن القطاع الخاص لفصل الملكية عن إدارة الشركات¡ وبرزت أهميتها مؤخراً نتيجة ما شهده العالم من انهيارات اقتصادية وأزمات مالية متنوعة¡ وفيما بعد نحا القطاع العام إلى محاولة اقتباس مبادئ الحوكمة في رحلته الرامية نحو تنظيم وهيكلة مؤسساته بغية ضبط العملية الإدارية ومنظومة صناعة القرار لتعزيز أسس الإدارة الرشيدة وصولاً إلى تحقيق كفاءة الأداء وفاعلية التنفيذ ومكافحة الفساد وتحقيق الشفافية والمساواة في منظومة إدارة الأعمال وتقديم الخدمات¡ وتتسم الحوكمة كمفهوم بنوع من الضبابية ولكنها تعني إجمالاً ذلك النظام الذي يتم من خلاله إدارة المنظمة والتحكم بمنظومة علاقاتها وأعمالها وأنشطتها بهدف تحقيق أهدافها الاستراتيجية¡ عبر ضبط عمل وعلاقات جميع الأطراف المعنية فيها¡ كمجلس الإدارة¡ والإدارة تنفيذية¡ وأصحاب مصالح أو مستفيدين..إلخ.
رؤية الوطن الواعدة أولت حوكمة العمل الحكومي وأجهزته الأهمية واستحدثت لذلك مشروعاً تنظيمياً بمسمى «برنامج تعزيز حوكمة العمل الحكومي» بغرض إعادة هيكلة منهجيات ومنظومات العمل الحكومي¡ ورسم سياساته واستراتيجياته¡ وتكريس ثقافة العمل المؤسساتي في أجهزته¡ واقتراح محددات حوكمة لأطر منظومة قطاعاته وأعماله بغرض تعزيز مقومات النزاهة¡ وأصول الشفافية¡ ومبادئ المسألة¡ وأسس المحاسبة باعتبارها خطوة أولى لبوابة الإصلاح والتطوير والمحرك لدفع عملية التنمية المستدامة ولبنة أساسية لحفظ الموارد وتعظيم المكتسباتº لكن في اعتقادي المتواضع إن هناك نوع من التوسع في جهود الحوكمة فيما يخص سبب حالة اللجوء لها¡ وكذلك لبس في فهم الغرض منها¡ فالحوكمة لا تعدو عن كونها وسيلة تعمل وتحقق أهدافها بعد توفر جملة من الأدوات (كالأنظمة¡ والإجراءات¡ والرقابة.. إلخ)¡ في ظل ظروف تباين المحددات والأثر واختلاف الوعاء المستهدف بالتنظيم عن بيئة قطاع المال والأعمال باعتبارها ممكنات لنجاح الحوكمة¡ ولهذا نرى أن خطط الحوكمة أفرزت ما يمكن وصفه بحوكمة الممكن وغير الممكن على حد سواء¡ ولذلك تعددت أدواتها وازدادت أجهزتها بشكل يهيئ الأرضية لظهور البيروقراطية المتحورة والتي قصد تفاديها باللجوء للحوكمة¡ فمثلاً حوكمة منظومة صناعة القرار تهدف لتعزيز مرونته وشمولية المشاركة¡ لكنها ربما شتت ما تستلزمه إدارة العمليات اليومية من سرعة في صناعة القرار التنفيذي¡ كذلك هناك نوع من تباين حلول الحوكمة وخلط في الأدوار بين اختصاصات مجلس الإدارة ومهام الإدارة التنفيذية في بعض الهيئات العامة¡ فمجلس الإدارة والذي يمثل الحكومة في مراقبة أداء الإدارة التنفيذية والمعينة غالباً بناء على تزكيته له دور في رسم السياسات العليا ومسؤول عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية¡ لكننا نجد أن رئيس المجلس في بعض الهيئات يستحوذ على القيام بأداء المهام التشغيلية وإدارة العمليات اليومية¡ عوضاً عن دوره الاستراتيجي والرقابي وفقاً للأصول التنظيمية المعروفة.




http://www.alriyadh.com/1861030]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]