هذا مثل ينبغي على كل إنسان الامتثال له¡ فالطيبة الزائدة سيئة وتجعل الشخص ألعوبة في يد البعض¡ والقسوة الزائدة فيها ظلم وإساءة للناس¡ وعلى المرء أن يبتغي بين ذلك سبيلا¡ خاصة القائد¡ وسأستشهد بالمدرّس وتجاربي في المدرسة¡ فالمدرس في وضع قيادي.
وقف مدرس الجغرافيا أمامنا أيام المدرسة المتوسطة وأخذ «يسولف» كعادته¡ وكان من طبعه أنه شديد الطيبة ويزيل الكلفة ويمازح الطلاب وكأنهم أصدقاؤه¡ حتى جاوز المعقول¡ وفي ذلك اليوم كان يحادثنا كعادته وسأل طالباً: ما اسم والدك¿ فرد: ما لك دخل. رأيت حاجبي المدرس يرتفعان وعينيه تتسعان بذهول ووقف مصدوماً. توقعَ أن الملاطفة الزائدة والنكت والضحك الكثير مع المراهقين سيجعلهم يحبونه¡ وقد ارتاح له البعض فعلاً لكن آخرين - مثل ذاك المشاغب - لا ينفع معه مثل هذا الأسلوب بل يجعله يتواقح. لم يعتذر الطالب¡ وكم أشفقت على الأستاذ¡ وبدأ الدرس في جو غير مريح من الحرج والوجوم للجميع¡ عدا الطالب الذي امتلأ وجهه بتعابير المتعة المنتصرة.
وفي يومٍ آخر كان مدرس التاريخ يكلمنا¡ وأثناء الدرس يرمي الطالب المشاغب نفسه تعليقاً طريفاً عن شيءٍ ما¡ وصَمَتَ المدرس ورأيت عينيه تضيقان بتركيز حتى استيقن أن المشاغب هو الذي ألقى التعليق¡ فقال: تعال. لما التفتُّ للطالب رأيت وجهه يمتقع¡ وأخذ يعتذر خائفاً: لا لا¡ آسف يا أستاذ! الشيء العجيب أن هذا المدرس لم يحدث في تاريخه أن ضرب أو صرخ أو شتم أحداً قط¡ ولكن قوة شخصيته جعلته مهيباً. أحببتُ هذا المدرس بشدة حتى إني بعد التخرج أهديته كتاباً¡ رغم أني أفسدته لما كتبت الإهداء على الغلاف!
طبعاً القسوة الزائدة لا يحتاج أن نفصل في ضررها وسوئها¡ فالكل قد رآها بشكلٍ أو بآخر¡ ولكن الطيبة الزائدة قد يظن البعض أنها الأمثل ويرفض أن يتركها¡ غير أني رأيت بعيني كيف أن المبالغة في اللطف تجعل حتى الأطفال والمراهقين يجترئون¡ وكيف أن فرض الشخصية بلا قسوة أو صراخ هو الأمثل ليس لك فحسب بل حتى للآخرين.




http://www.alriyadh.com/1861086]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]