"كان على أحدهم أن يجمع الضحك والبكاء من زوايا الفم والعينين¡ ويلملم أصابع الحب والمواساة مثل مشابك الغسيل من الكتفين¡ ويمسح المواعيد من فوق الطاولة¡ والمعانقات من تحتها. عليه أن يحمل المكالمات الليلية وأعياد الميلاد مغلفة بالوعود والقبلات إلى المرسل¡ أن يكنس الخطوات اللاهثة إلى اللقاء¡ وتلك المتثاقلة بعد أن يتدخل ظرف طارئ لتأجيله¡ أن يقود السيارة ليلا قاطعا عشرات الكيلومترات ليتوقف بجانب الطريق ويتخلص من الماضي¡ وكان على الآخر أن يكف عن تخيل ذكرياته الجميلة التي لم تحدث بعد".
هذه هي القصة التي حمل عنوانها عنوان المجموعة التي كتبها عبدالله ناصر¡ والتي حاولت أن أقتبس شيئا منها كي أعطي القارئ فكرة عن الطريقة التي يكتب بها ناصر قصصه / مقطوعاته¡ لم أستطع سوى نقل كامل القصة لأنها صورة متكاملة¡ لا يمكن تجزئتها¡ وهو "عبدالله ناصر" بارع في كتابة القصة القصيرة التي تحمل معاني كثيرة واستعارات مذهلة بحيث لا يمكنك سوى الاستمتاع والإصغاء بحذر ورهافة لكل ما يكتب حتى لا يفوتك معنى أو صورة.
وعلى الرغم من أن قصصه تعبر عن حالة الفرد في العصر الحديث¡ من ملل¡ وتعب وقلق وبحث عن معنى الوجود¡ لكن ذلك يأتي بصورة ساخرة أحيانا¡ في قصة إرنستو شي جيفارا مثلا¡ حيث يتوهم بطل القصة المذعور أنه ثوري مطارد بينما لا تتجاوز ثوريته بضع شتائم نابية لم ينطق بها لشرطي المرور.
أو بشكل لا يخفي الهم الجمعي الذي يحمله الكاتب ولا يكتبه بشكل صريح أو ساذج¡ لكنه يأتي على شكل خطفات أو تشبيه مثل الهالات السود التي يتأملها بطل قصة كارما والتي تذكره بالقوارب التي تحمل المهاجرين غير الشرعيين إلى سواحل أوروبا.
لكن الموضوع الذي يشغل بال عبدالله ناصر¡ وكرره في أكثر من قصة¡ هو فقد الوالد¡ في قصة عقوق¡ كان البطل يحاول أن يستفز والده بشتى الطرق في محاولة منه لأن يجعله ينهض من الصورة كي يوبخه. وفي قصة أعطال زمنية يتكرر قيام البطل وأخيه بدفن الأب يوميا مدة عشر سنوات¡ في دلالة على هذا الفقد الذي لا يزول ولا يخف بالرغم من مرور الأيام¡ وفي قصة مفاتيح الأب¡ يدق الأب الباب مرة واحدة ثم ينصرف بسرعة وتوصي الأم الباكية أن توضع نسخة من المفتاح بجوار قبر الأب في الزيارة القادمة¡ هذه القصص وبشكل خاص غاصت عميقا في القلب وذكرتني بفقدي الذي لم أنسه تماما كما تقول القصص.
كل القصص مذهلة¡ ولن أتمكن من الحديث عن كل صورة أو قصة أذهلتني¡ يتحتم علي أن أنقل الكتاب كاملا¡ لذلك اقرؤوه واستمتعوا.




http://www.alriyadh.com/1867904]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]