معاشرتي للحقائب لها الآن أكثر من نصف قرنº وكان أول أمري معها عندما رحلت من المدينة المنورة مفارقاً الأهل والخلان للاستقرار في الرياض¡ وكانت حقيبة لا تدري أين تضعها¡ عندما تشرع في تصنيف حقائب المسافرينº فقد صنعت من مادة ليست من الجلد ولا من البلاستيك¡ وكانت تصدر رنيناً يشبه رنين آلات الموسيقى النحاسية¡ عندما أفتحها أو أغلقهاº كانت حقيبة فقيرة¡ على جوانبها الأربعة قطع من الستيل اللامع¡ ولونها خليط من البني والأحمر الفاقع¡ كنت عندما أحملها فارغة¡ أجدها أثقل من الأغراض التي أضعها فيها!
أما الحقيبة الثانية¡ فقد كانت من الصاج الملون الذي كان يُقبل عليه القوم في تلوين صحونهم وآنية أو أوعية الشربة والماء. ألوان عجيبة¡ هي خليط متماوج من الأصفر والأزرق والأخضر والأحمر¡ ومن كل لون من هذه الألوان¡ طبقات خفيفة وأخرى ثقيلة¡ دهنت بها الشنطةº أما جسم الشنطة فكان من الصاج¡ ولها مقبض أو مقبضان من الستيلº هذه الشنطة عندما اشتريتها كنت أراها جميلة مشرقةº اشتريتها عندما نويت الرحيل إلى "القويعية" في بداية السبعينات الميلادية من سوق الملح¡ على مشارف الشميسي¡ وكانت حقيبة ضخمة¡ استوعبت اشكالاً وألواناً من الأطعمة والمشروبات¡ وكتباً وصحفاً ومجلات وراديو¡ لرحلة مدتها ثلاثة شهور¡ عانيت فيها ما عانيت¡ لكن أكبر المعاناة كانت من الطريق¡ الذي لم يكن مسفلتاً ولا معبداً¡ وكانت السيارات التي تعبره من نوعية خاصة. بعد هذه الرحلة¡ جرت النقود في يدي بفضل اللهº فأصبحت أسلك طريق ذوي الحيثية والعصريين¡ في الأقبال على الحقائب الفاخرة¡ خصوصاً بعد إقبال الناس على السفر إلى مصر¡ وكنا نسافر إلى القاهرة عبر مطار جدة.
الرحلات الخارجية التي أصبحت أقبل عليها¡ عندما توظفت¡ لفتت نظري أكثر إلى علاقة الناس بحقائبهم¡ وإلى دلالة الحقيبة¡ من حيث الحجم والشكل والتصميم¡ على حاملهاº فهناك المسافر الذي يحرص على أن تصحبه حقيبة كبيرة¡ من تلك التي تشبه الشوال¡ أو تكون مربعة من الحديد أو البلاستيك الخشن المقوىº والفقراء البسطاء من هؤلاء الناس¡ كثيراً ما يحرصون على ربط حقائبهم بحبال متينة¡ خوفاً من تناثر أو ضياع محتوياتها¡ عندما تتعرض لإهمال أثناء الشحن والنقل¡ ومنهم من يعمد إلى تفصيل كيس¡ بحجم الحقيبة¡ لنفس الغرض.
أما الأثرياء العصريونº فيحرصون على الماركات العالمية حتى في حقائبهمº وتصحب هؤلاء عادة باقة من الحقائب من نفس الماركة¡ واحدة للعطور والإكسسوارات¡ وواحدة للأحذية¡ وأخرى للبدل والفساتين¡ حتى حقيبة اليد من نفس الماركة! أما عامة الناس وأفراد البرجوازية الصغيرة فإن حقائبهم ربما تكون نظيفة ومرتبة¡ لكنها لن تكون متناسقة¡ أو من ماركة واحدة¡ وربما تنتمي إلى مصنع متواضع¡ في الهند أو الصين¡ وهي دون مبرر غالباً ما تكون بأحجام مختلفةº بل ربما تم اللجوء إلى الحقائب الكبيرة لتستوعب أكثر وليكون وزنها مقبولاً وهي فارغة قياساً لما تحمله¡ وليست مثل حقيبتي المذكورة أعلاهº وإن كان مراقبو الميزان في المطارات لا يرتاحون لهذا النوع من الحقائب الموفرة! الحقائب تعبر في كثير من الأحيان¡ عن مستوى¡ أو ثقافة¡ أو بيئة¡ أصحابها!




http://www.alriyadh.com/1870687]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]