سنة 1972 أصدر الكاتب الأميركي برايان غارفيلد روايته "أمنية الموت" والتي سرعان ما حققت نجاحاً كبيراً، خاصة بعد أن حولها المخرج مايكل وينر إلى فيلم بنفس العنوان قام بطولته تشارلز برونسون أحد أهم نجوم هوليود في تلك الأيام.
الكاتب غريب الأطوار الذي وقّع أعماله بعدة أسماء مستعارة، حاصداً نجاحات عديدة، كان موسيقياً محترفاً أيضاً، وقد قام بالتدريس في جامعة آريزونا، قبل اكتشافه أن التعليم لا يناسبه فتفرّغ للكتابة.
كان ذلك الرهان رابحاً آنذاك، كون السينما منتعشة، والنصوص المطلوبة لإنتاجها سينمائياً عَرَف بذكائه الفطري كيف يصوغها، بمهارة صياد القصص المثيرة التي تحرّك مشاعر الجماهير، مركزا ًعلى نوع معين من الشخصيات الشبيهة بحارس العدالة في أمنية الموت.
أحب الناس فكرة الرجل الغامض (بول كيرسي) الذي ينفّذ العدالة على طريقته أمام تقاعس الشرطة التي فشلت في اكتشاف قاتلي زوجته والاعتداء على ابنته. أخرج من مخيلته بطلاً كان المجتمع بحاجة إليه، ورسّخه في ذاكرته.
بطل سيُعَاد تقديمه سينمائياً عدة مرات على مدى سنوات، آخرها سنة 2018 من إخراج إيلي روث، وبطولة بروس ويليس، مع تغييرات بسيطة ارتبطت بتفاصيل الشخصيات.
بالعودة للطبعات السينمائية الخمس لهذه القصة، يسهل الوقوف على التغيرات الصارخة التي طرأت على الأدوات السينمائية، ونوع الموسيقى، وطرق كتابة السيناريو، ومستوى الأداء، ونوعية الممثلين بمن فيهم النجوم والكومبارس.
أبناء جيلي ومن هم أكبر حتماً سيتذكرون الممثل البارع تشارلز برونسون، وافتتاننا بأدائه حين كنا مراهقين، بالطبع سنصاب بصدمة حين نعيد مشاهدة الفيلم اليوم، بالكاد يعرف برونسون إمساك مسدسه ويطلق النار بطريقة كاريكاتورية مضحكة على ضحاياه، تتكشّف عيوب الفيلم حتى تنتابنا الرغبة في التوقف عن مشاهدته.
يمكن تسجيل ملاحظات كثيرة على بقية الطبعات، باستثناء طبعة الـ2018 لأنّها الأجدد والأقرب تقنياً لزمننا والأكثر إقناعاً طبعاً.
لا شك أن كل هذه التغيرات التي سجلناها ستبدو عادية لمشاهد اليوم، لكن هناك ما لم يتغير أبداً وظلّ ثابتاً في كل هذه الأعمال الدرامية، وهو القاعدة التي قامت عليها مسرحة كل عمل جديد، ألا وهو النص.
تذكروا الآن تلك الأصوات التي علت على مدى أكثر من قرن أن التلفزيون، والسينما والإنترنت وما سيأتي بعدها ستقضي على الأدب، وابتسموا، لأن لا شيء من هذا القبيل حدث.
تبقى الكتب مكانها فيما تتجدد التقنيات مستنجدة بمخطوطات كُتِبت منذ نصف قرن. وبنصوص أكثر قدماً، مثل شكسبير الذي مات منذ أربعة قرون، وبمقولات هوميروس (القرن الثامن قبل الميلاد)، وأفلاطون (347 قبل الميلاد)، ستبقى طبيعة الإنسان هي نفسها، ولن يشعر بالأمان في هذا العالم الديجيتالي المخيف إلا حين يلمس بيديه آثار وخطوط من سبقوه. سيدهشه دوماً رسم الإنسان الحجري على أسطح الكهوف المنسية، لأنه دليل امتداده في عمق الزمن، دليل ملموس بقوة الكتابة.




http://www.alriyadh.com/1872086]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]