تعد الطاقة الكهربائية رافدًا أساسيًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتشكل سمة مميزة ومؤشرًا حضاريًا للدول المتطورة، وهي أقل أنواع الطاقة تلويثًا للبيئة وأكثرها سهولة في النقل والتوزيع ومرونة في التعامل والاستخدام. وتشكل الطاقة الكهربائية مدخلاً رئيسًا لكافة قطاعات الاقتصاد وعاملاً معززًا للإنتاجية ولتحسين مستوى المعيشة ونوعية الحياة. وفي المملكة حقق قطاع الكهرباء عبر مراحل متلاحقة من عمليات النشوء والنمو والارتقاء قفزات سريعة في مضمار التطورات والإنجازات الكبيرة، ولعل من بين أهم تلك الإنجازات الرائعة التي حققها قطاع الكهرباء خلال الستة عقود الماضة هو العمل على دمج شركات الكهرباء التي كانت معزولة ومتباعدة في مناطقها وصهرها في شركات موحدة للكهرباء في جميع مناطق المملكة والمعروفة قبلاً بالشركات الموحدة ثم العمل بعد ذلك على صهرها ودمجها جميعًا في شركة سعودية واحدة على مستوى المملكة. ومن المعروف أن إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية يتطلب تكاليف باهظة وجهودًا مضنية وفترات طويلة بدءًا من مرحلة التخطيط وحتى وصولها للمستخدم النهائي (المستهلك)، هذا بالإضافة إلى تكاليف التشغيل والصيانة المستمرة لضمان مستوى واستمرارية تدفق الطاقة الكهربائية دونما تذبذبٍ أو تدنٍ أو انقطاع.
من المعروف أن الطلب على الكهرباء يتكون عادة من محصلة الأنواع المختلفة والمتعددة من أحمال المشتركين (سكني، تجاري، صناعي، حكومي، زراعي، مرافق عامة، إلخ) والتي عادة ما تختلف طبيعتها وخصائصها مع فترة ما من الزمن وكذلك مع تغير فصول السنة حيث تتأثر أنشطة المشتركين واستهلاكهم للطاقة الكهربائية تبعًا لتغير الجو والوقت، فعلى سبيل المثال يحدث الحمل الذروي في فصل الصيف مما يتطلب تأمين وحدات توليد تكفي لمواجهة هذه الأحمال الذروية بكل كفاية وجودة وموثوقية وعدم انقطاع في الخدمات الكهربائية.
ومن المعروف أيضاً لدى المهتمين والمختصين في صناعة الكهرباء أن هذه الصناعة لهي من أكثر الصناعات تكلفة وأجداها مردودًا إذا روعي في ذلك بين عمليتي إزاحة الأحمال (أو ما يعرف بإدارة الأحمال) وترشيد الاستهلاك (أي الاستخدام الأمثل للطاقة)، وأحياناً يبدو أن ليس من السهل دائمًا توفير الطاقة الكهربائية لمجابهة الطلبات المتزايدة لها نظرًا للوقت الطويل الذي يستغرقه عادة إنشاء المحطات وتصميم شبكات النقل والتوزيع منذ فترة التخطيط وحتى الشروع في الإنتاج الفعلي من المحطات الكهربائية. وإذا كانت هذه الطاقة الحيوية قد هيئت للمستفيد وقدر له أن ينعم بها فلا يعني ذلك على الإطلاق أن تهدر أو أن يساء استخدامها ولكن يستفاد منها بمنتهى الحكمة والرشد والتعقل، وهذا الذي يعنيه بالفعل الترشيد والذي يمثل استجابة وامتثالاً لقول الرب تبارك وتعالى: "وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" ﴿الأنعام:141﴾، فالترشيد يعتبر مسؤولية وطنية ترتبط بوعي المواطن وسلوكياته ومستواه الأخلاقي والفكري والحضاري. والترشيد أسلوب عالمي تسنه الكثير من الدول وتضع له جملة من الضوابط والمعايير بل والحوافز المادية لتطويع الناس على اعتناقه وتطبيقه والتعود عليه والالتزام به، لذا فسيتم تباعًا بمشيئة الله إيضاح بعض الأسس الثابتة والجوانب المهمة لهذا الموضوع الذي أضحى هاجسًا لدى شركات الكهرباء له ثقله وحساسيته في مشاريع بناء محطات الإنتاج ومد خطوط النقل وإنشاء شبكات التوزيع الكهربائية.
مفهوم إدارة الأحمال الكهربائية
المفهوم في أبسط معانيه يعني إزاحة الأحمال الكهربائية إلى فترات محددة وعدم تحميل النظام الكهربائي بأحمال عدة في أوقات متزامنة، وهناك فترة يعلو فيها استهلاك الطاقة وهي التي تقع في فصل الصيف بين الساعة الثانية عشر ظهرًا والرابعة عصرًا حيث الاستخدام المكثف لأجهزة التكييف، وفي هذه الفترة لا يحسن تشغيل أجهزة مثل الغسالات وأجهزة الكي والتنظيف بل إرجاء ذلك إلى فترات يقل فيها الحمل الذروي، والمعروف عن الطاقة الكهربائية أنها طاقة آنية ذات طلب واستخدام آني إذ لا يمكن تخزينها الابقاء عليها بل استخدامها في حينها عند الحاجة لها، والترشيد لا يعني الشح والتقتير بعدم استخدامها والاستمتاع بها في تيسير الحياة وإنجاز الأعمال فشركات الكهرباء تعتمد أساسًا في دخلها على مبيعات الطاقة الكهربائية، وقد بينت دراسات عملية أن ازدياد استهلاك الطاقة الكهربائية بإدارة فاعلة وترشيد منظم يفضي في النهاية إلى تخفيض سعر التكلفة لوحدة الطاقة (الكيلو وات ساعة) لأن الشركة ستفقد جزءًا من العائد إذا كانت المولدات الكهربائية تدور دون أن يكون هناك أحمال كهربائية في الطرف الآخر تستهلك تلك الطاقة وتستفيد منها.
*جامعة الملك سعود




http://www.alriyadh.com/1872318]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]