هل واجهت من قبل في حياتك المهنية مديراً كثير الكلام مستبد الرأي لا يستمع إلى موظفيه؟ في مقالة اليوم نتحدث عن القادة الذين يصمتون كثيرا..
نتجه إلى فرنسا في منتصف القرن السابع عشر الميلادي حيث الملك لويس الرابع عشر والذي حكم فرنسا لما يزيد على سبعين عاماً شهدت نهضة ثقافية عظيمة وفي نفس الوقت حروباً ومعارك ومشكلات اقتصادية. ويروى أن الوزراء الفرنسيين كانوا يتناقشون لساعات طويلة لتحديد الملفات التي ستعرض على الملك الفرنسي ويتم ترشيح وزيرين بعناية بعد نقاشات طويلة ليقوما بعرض الأمور والخيارات المطروحة على لويس الرابع عشر والذي كان يستمع إليهما في صمت مهيب دون أن يعلق بكلمة. وبعد أن ينتهي العرض يطلبان الأوامر من الملك الفرنسي الذي كان يكتفي بالنظر إلى الوزيرين والتعليق بهدوء:"سوف أرى!"، ثم ينصرف عنهما، وبعدها بفترة تأتي القرارات على شكل أوامر بإمضاء لويس الرابع عشر.
وتعلق عليه مدام دي كاليوس بقولها: "لقد درس بعناية التصرفات والأفكار الخاصة بمستمعيه، لقد كان حكيماً لغاية وكان يعلم كيف يتم الكشف عن كل كلمة ينطق بها العاهل في الأماكن العامة... وقد دهش أكثر الأشخاص تعلماً من المعرفة التي أظهرها؛ لقد رأوا أنه كان على دراية كاملة بالأمر أكثر من ذلك، وكانوا مفتونين بالطريقة التي يعبر بها عن أفكاره".
ومع كل ما ذكر من محاسن الصمت، فمن الضروري التأكيد أيضاً على مخاطر المبالغة في الصمت وعدم التواصل الفعال والذي قد يتسبب بالكثير من المشكلات وسوء الفهم والظن. ومن التحديات التي تواجه الشركات الأجنبية في التعامل مع نظيراتها اليابانية هو ميل اليابانيين إلى الصمت والاكتفاء بإيماء الرؤوس وقت الاجتماعات والمفاوضات. وهو ما يعني في العرف الياباني أنني استمع إليك بينما قد تفهم في ثقافات أخرى كثيرة بأنني أوافقك الرأي. ولذلك تكون الصدمة كبيرة في نهاية الاجتماع برد مقتضب يتضمن الرفض بعد سلسلة طويلة من الإيماءات بالرأس..
وفي نفس الوقت، أصبحت متطلبات العصر تقتضي وجود تواصل فعال على مستوى الأفراد والمنظمات عبر الوسائل التقليدية والحديثة كشبكات التواصل الاجتماعي. ومع ذلك فلا بد من الحذر من الاسترسال والكلام غير المحسوب.
وباختصار، لا ينبغي للقائد أن يستأثر بالكلام وينسى الاستماع إلى فريقه والاستماع إلى آرائهم فالصمت حكمة ويمنح الفرصة للاستماع لكل الخيارات لاتخاذ أفضل القرارات، وبالمقابل فعدم التواصل الفعال من الإدارة من شأنه أن يخلق الكثير من المشكلات في سوء الفهم وكثرة الظنون.
ونختم بكلمات غابرييل غارثيا ماركيث:" ليس كل صامت قادراً على الرد، فهناك من يصمت حتى لا يجرح غيره، وهناك من يصمت لأنه يتألم وكلامه سيزيده ألماً. وهناك من يعلم أن الكلام لن يفيد إذا تحدث! وهناك من يصمت وقت غضبه حتى لا يخسر أحداً، ويبقى الصمت الأعظم هو صمتك".




http://www.alriyadh.com/1873259]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]