يقول أحد الأصدقاء، ذهبت إلى مقابلة وظيفية، وبعد عدة أسئلة عن خبراتي وتحصيلي العلمي قال لي الشخص الذي يقابلني، كيف تقيم قدرتك على العمل تحت الضغط، أجبته بأنني مستعد لما تمليه علي المهام الوظيفية، قال نحن نعمل على مدار الساعة وقد يُطلب منك العمل خلال عطلة نهاية الأسبوع فهل تقبل بمثل هذا النوع من العمل؟
مثل هذا الحوار أصبح طبيعياً في المقابلات الوظيفية لدينا، حتى ولو كانت طبيعة المكان لا تتطلب العمل تحت الضغط، أو التعامل بشكل مستمر مع طوارئ وأزمات، لكن إيقاع المرحلة سريع جدا ولا يتحمل التأخير، فنحن نسابق الزمن لنحقق أكبر قدر من الأهداف في أقصر وقت زمني ممكن.
لكن الإشكالية تكمن في أن هذا النوع من العمل قد يؤدي بالموظف إلى الاحتراق النفسي وبالتالي خسارة قدرات وطنية فذة قد تعطل مسيرة التنمية على المدى البعيد.
كثير من الموظفين الذين يعملون في البيئات الوظيفية الجديدة ابتعدوا عن حياتهم الاجتماعية؛ أهاليهم، أطفالهم، أصدقاؤهم.
هذه الحياة الاجتماعية البالغة الأهمية هي ما يخلق التوازن النفسي الذي يخلق المزيد من الإبداع والتألق.
ضغط العمل والحرص على إنجاز أكبر قدر من المهام في أقصر وقت قد يؤدي إلى مكاسب سريعة لكن أثره السلبي على المدى البعيد مدمر لحياة الفرد والمحيطين به، والدول التي مرت بمراحل تحول قدمت لنا دروسا مهمة كشفت أن الاستثمار في الموظف وصحته النفسية هو ما يستحق المراهنة وهو ما يحقق النتائج المطلوبة.
اليابان، الدولة التي تعتبر مضرب مثل في الإنجاز والعمل المتواصل، تنبهت إلى ما تسببه محرقة الوظيفة لنفسية الفرد، فعمدت إلى منح الموظف حوافز من أجل أن يقضي وقتا أطول مع عائلته وأصدقائه، وخصصت آخر جمعة من كل شهر ليكون يوما مميزا يسمح فيه للموظفين بالخروج مبكرا للاستمتاع بعطلة نهاية الأسبوع.
شركة مايكروسوفت في اليابان قامت بتجربة في شهر أغسطس من عام 2019 حيث عمدت إلى تقليص أيام العمل الأسبوعية إلى أربعة أيام وخرجت بنتائج مذهلة تمثلت في زيادة كفاءة الاجتماعات، وارتفاع الإنتاجية بنسبة بلغت 40% كما لاحظت تزايد معدلات السعادة بين موظفيها.
كثير من الدول الصناعية الكبرى أصبحت تنظر بجدية في مقترح تقليص أيام العمل أو الساعات التي يقضيها الموظف في المكتب، وفي ألمانيا يوجد قانون يسمى «مكافحة الإجهاد النفسي» تتضمن بنوده إعطاء الحق للموظف بعدم الرد على الرسائل والبريد الإلكتروني بعد ساعات العمل الرسمي، مهما كانت مهمة. وذلك لتخصيص وقت أكبر لحياة الموظف الاجتماعية وتوازنه النفسي.
وأخيرا، بيئات العمل لدينا بحاجة إلى الكثير من التطوير وترتيب الأولويات، والنظر بجدية لراحة الموظف وتوازن العمل مع الحياة الشخصية والاجتماعية، والدراسات والتجارب في هذا المجال تؤكد دائما أن الإنتاجية لا ترتبط بالضرورة بطول ساعات العمل، بل بجودة التخطيط وترتيب الوقت.




http://www.alriyadh.com/1875123]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]