جمالية العنوان في المؤلفات النحوية والصرفية
ربما كان طريفاً أن تنهض المؤلفات النحوية والصرفية بشيء من الإبداع والشعرية، وأن نجد فيها أبعاداً أدبية، أو ملامح جمالية؛ ذلك أن المصنفات في هذا الباب لا تكاد تنأى عن العمق، والدقة، والتقعيد، والتحليل، والتعليل، على الرغم من أن الأدب بشعره ونثره يعد مصدراً أصيلاً للغويين عموماً في ضرب أمثالهم، وشرح قواعدهم، واستحضار شواهدهم؛ لذلك قد لا يكون غريباً أن يلجأ النحوي إلى اقتناص موضوع شاعري، أو عنوان بديع، يطرّز به واجهة كتابه، اعتناءً واحتفاءً، ولا سيما إذا عرفنا أن هذه الشعرية لم تكن بدعاً في المؤلفات اللغوية؛ إذ هي معروفة في المصنفات الأدبية، والبلاغية، والنقدية، والعروضية، وغيرها.
لكن الجميل في العنوان لدى النحاة، والصرفيين تحديداً، أن نرى عندهم اهتماماً بالغاً في جعله شاعرياً، فهم يسعون دائماً في أكثر تصانيفهم إلى ضخ العنوان بما يطريه ويحلّيه، وبما يجذب القارئ والسامع إليه، ولعلهم بهذا الصنيع من أوائل المهتمين بجمالية العنونة في الثقافة العربية، فاللغويون من بعد سيبويه وعنوانه التقليدي (الكتاب) أحدثوا في عنواناتهم شيئاً من التجديد والإبداع ليس ينكر، حتى صار العنوان معهم أكثر شاعريةً وجمالاً، إذا قيس بما عند الأدباء الذي كانوا أكثر مباشرةً ووضوحاً في عنواناتهم التي من قبيل: (عيون الأخبار - أدب الكاتب - البيان والتبيين - الكامل - الأمالي - الأغاني - الإمتاع والمؤانسة - العقد الفريد - المثل السائر - نهاية الأرب - المصون - محاضرات الأدباء - إتحاف النبلاء - خزانة الأدب - ...).
غير أن المتأمل جيداً في عنوان النحويين والصرفيين يلحظ فيه اختلافاً عما لدى الأدباء، وقد ذهب النحاة في عنوانات مؤلفاتهم مذاهب شتى؛ إذ قد يجيء العنوان عندهم واحداً، لكنه مشحون بالشاعرية، كما في: الخصائص، والبارع، والمبدع، والممتع، واللمع، والمقتضب، والمنصف، والتفاحة، والكناش، والبديع، والمهذب، والتهذيب، والمهجة، والمقتصد، والمنضّد، والإكسير، والأزهية، والحاوي، والمنتخب، والمحكم، والأنيق، ونحو ذلك.
وقد يقوم العنوان لديهم بأكثر من كلمة، لكنه ذو دلالات عميقة، كما في: إسفار الفصيح، والإيضاح العضدي، والتصريف الملوكي، ونكتة الإعراب، وزينة العرائس، والدرة البهية، والدرة اليتيمة، وعقود الهمز، وملحة الإعراب، وربما جاء العنوان المكون من كلمتين مثيراً للانتباه، كما في: تعليق الخلس، وهذا القد، والحقير النافع، والمختصر الفتحي، واللامع العزيزي، ونقض الهاذور، واطْرَغَشَّ وابْرَغَشَّ، وإسعاف الصديق، وعنوانات أخرى تطول.
ويحرص النحويون والصرفيون كثيراً على تسجيع مؤلفاتهم، مما يدل على شديد عنايتهم بشعرية العنوان، فمن مؤلفاتهم في ذلك: اللباب في علل البناء والإعراب، ونقعة الصديان فيما جاء على الفعلان، واللمحة في شرح الملحة، والجنى الداني في حروف المعاني، وقطر الندى وبلّ الصدى، ومغني اللبيب عن كتب الأعاريب، واقتطاف الأزاهر والتقاط الجواهر، والمنهل المأهول بالبناء للمجهول، وتثقيف اللسان وتلقيح الجنان، وارتشاف الظرب من لسان العرب، وسفر السعادة وسفير الإفادة، وهمع الهوامع في شرح جمع الجوامع، والغرر والدرر، ونزهة الطرف في علم الصرف، وشذا العرف في فن الصرف، وضياء السالك إلى أوضح المسالك، وأمثال ذلك كثيرة.




http://www.alriyadh.com/1875910]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]