يقول المؤلف: "في الأعياد والمناسبات كنا نذهب إلى الصالحية لزيارة آل الشيخ مبارك من المالكيين، وإلى الرّفعة لزيارة البوخمسين من الشيعة، ونزور آل أبو بكر الملا الأحناف في الكوت، والعفالق المالكيين في المبرّز"..
ولد في منطقة عزيزة علينا جميعاً، منطقة الحب والتسامح، تتعايش مذاهبها وتمتزج كألوان قوس قزح لتشكل لوحة فنية تسمى الوطن، منطقة عمت خيراتها كل مناطق المملكة من جنوبها لشمالها ومن شرقها لغربها، تملك صاحبنا حب الأحساء ذلك الجزء العزيز المطل على الساحل الشرقي لبلادنا الغالية، فكانت الصفحات الأولى من كتابه (صفحات في كتاب العمر) وحتى الصفحة 78 كلها عن الأحساء، حيث ولد الدكتور عبدالرحمن بن أحمد الجعفري في "الكوت" من أسرة انتقلت من المدينة المنورة قبل نحو 500 سنة، كما أوضحه في سيرته الذاتية التي دون فيها ما يتذكره من دروس كثيرة وتجارب، ويأمل من خلالها أن يسجل ما ينفع الناس وعمارة الأرض وزيادة المعرفة.
رجل وطني من طراز رفيع، أخلص لبلده وخدمه بتفانٍ وإخلاص، فأكرمه الوطن بإتاحة الفرصة له ليتعلم في أرقى الجامعات الأميركية، ويتبوأ المناصب المختلفة، من أستاذ في كلية البترول في الظهران والتي سميت فيما بعد "جامعة الملك فهد للبترول والمعادن"، إلى تعيينه أميناً عاماً لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية، ثم تعيينه عضواً في مجلس الشورى ثلاث دورات متتالية، وأخيراً محافظاً لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات.
أعجبت كثيراً بما كتب عن الأحساء مرتع الصبا، ليركز على ما يتمتع به أهلها في ذلك الوقت من تآلف وتسامح بين مختلف المذاهب الأربعة والمذهب الاثنا عشري، كلها تتعايش كمجتمع واحد يدل على عمق التحضر لدى أبناء الأحساء وبعدهم عن الأدلجة بكل سلبياتها، وخلال نشأته لم يكن حاضراً في بيته أو في المحيط الذي نشأ فيه أي فروق مذهبية، وفي المدرسة الأميرية يوجد طلاب من جميع الأسر والمذاهب في الأحساء.
ويقول المؤلف: "في الأعياد والمناسبات كنا نذهب إلى الصالحية لزيارة آل الشيخ مبارك من المالكيين، وإلى الرّفعة لزيارة البوخمسين من الشيعة، ونزور آل أبو بكر الملا الأحناف في الكوت، والعفالق المالكيين في المبرّز"، وقد ذكر له الأستاذ عبدالعزيز بن سليمان العفالق أن المعلمين في مدارس تعليم القراءة والكتابة كانوا من الشيعة، وأن الأولاد والبنات يتعلمون القرآن الكريم على يد معلمين من الشيعة، كما أشار إلى وثيقة وقفية من أحد الشيعة أوقف بموجبها وقفاً لمنفعة شخص من السنّة.
انتقلت أسرته من الأحساء إلى الرياض رغم ما تحمله الأسرة من حب شديد للأحساء بنخيلها وأهلها الطيبين، لكن والده يرى أن مستقبل الأسرة سيكون أفضل في العاصمة مركز النمو والتجارة، وهو ما جعلهم يتخذون هذه الخطوة الجريئة، وقد عمل والده بالتجارة ومنها الخياطة، والدخول في مجال العقار مع أخيه الذي فضل فضّ الشراكة والعودة إلى الأحساء وهو العاشق لبيئتها الوادعة وبساطة أهلها.
بدأ الدكتور عبدالرحمن دراسته الابتدائية في الأحساء حتى السنة الرابعة ابتدائي، وحين انتقل إلى الرياض دخل المدرسة العزيزية في حي الظهيرة، لكنه لم يبق فيها سوى يوماً واحداً بسبب تنمر الطلبة كبار السن، ما جعل الوالد يبقيه معه في المحل إلى أن سجل مرة أخرى في المدرسة الفيصلية حيث يوجد مدير حازم يحسب له الطلبة ألف حساب.
يتذكر في الرياض أنه ذهب إلى الجوازات والجنسية للحصول على التابعية، واصطحب معه زميلين ليشهدا أنه سعودي من مواليد الأحساء، لكن الموظف رفض شهادتهما وطلب أن يحضر شخصين من أهالي الأحساء، فما كان منه إلا أن ذهب للمدير وهو شخص وقور ومعروف بشهامته وحسن تصرفه هو محمد بن ضاوي، شرح له ما جاء من أجله، وكيف أن الموظف لم يقبل شهادة زميليه، حينها سأله: هل والدك هو أحمد الجعفري الذي له دكان في الصفاة؟ أجاب بنعم، فما كان من المدير إلا أن ينادي على الفرّاش ويطلب منه أن يأخذه وزميليه إلى الموظف ويأخذ شهادتهما، ثم أضاف: وليأخذ شهادتي إن أراد، وهكذا حصل على ما أراد بحسن تصرف المدير، أدرك حينها وخلال السنين الطويلة من التجربة الإدارية أن حسن الإدارة لا تعني التطبيق الحرفي للنظام.
خلال صيف 1956 سافر مع عمه إلى لبنان وكانت الليرة اللبنانية تعادل نحو ريالين، أما في مصر محطتهم الأخيرة فكان الجنيه المصري يعادل نحو عشرة ريالات، وقد زوده والده بألفي ريال شرط أن يعمل بعد عودته في محل خياطة الملابس لخياطة عدد من الثياب حددها والده، وقد استمتع بشهرين يعدها من أجمل أيام حياته.
سيرة ماتعة ومفيدة بقي منها محطات كثيرة وصفحات ودروس لن يوفيها حقها مقال واحد، ولكن لعل هذه المقدمة تكون حافزاً لقراءة السيرة الذاتية كاملة.





http://www.alriyadh.com/1875920]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]