تبدأ مع قرب حلول شهر رمضان من كل سنة ظاهرة استقباله بماراثونات محمومة من الإسراف في التسوق والإفراط في الشراء والمبالغة في الاستهلاك لما يزيد على الحاجة من الأصناف المتنوعة من المأكولات والمشروبات والأدوات المنزلية الكمالية، والتي كثير منها يحول عليها الحول دون استخدام، إن لم ينتهِ به المطاف في مكب النفايات، وهذا يتنافى مع الحكمة الربانية من صيام هذا الشهر الكريم.
لقد درج الناس على الصرف والإسراف في النفقات على أشياء يمكن تكييفها بالمصاريف المزدوجة والكمالية، وهذا يقودنا إلى القول: إن تلك السلوكيات والممارسات لا تعكس حقيقة ما يفترض أن يتحلى به المجتمع المسلم من خصال تعكس حسن التعامل مع النعم. ففي دراسة بعنوان "خط الأساس: مؤشر الفقد والهدر بالمملكة"، والتي أجراها البرنامج الوطني السعودي للحد من الفقد والهدر في الغذاء بالمؤسسة العامة للحبوب عام (2019)، ذكرت تلك الدراسة أن نسبة هدر وفقد الغذاء بلغت فوق نسبة (33 ٪)، وبقيمة إجمالية تقدر بحوالي (10.7) مليارات دولار في السنة؛ وهذا يأخذنا إلى القول إن ممارسات الإسراف والتبذير والإفراط في الاستهلاك والإنفاق واستنزاف الموارد التي يخشى على الجميع منها، تستدعي في مرحلة أولى تكثيف برامج توعية المجتمع للترشيد وتذكير الجميع بالعواقب، وهنا نشيد بمبادرة البرنامج الوطني للحد من الفقد والهدر في الغذاء الأخيرة بإطلاق هاشتاغ على منصة تويتر بعنوان #النقصولاالزود للتوعية بشأن الهدر والفقد الغذائي وآثارهما السلبية على الصحة والاقتصاد إجمالاً. وربما يستلزم الأمر معه في مرحلة لاحقة الأخذ على يدي المتساهلين وكف يدي العابثين من المسرفين للحد من الإسراف والتبذير والإفراط في الاستهلاك والإنفاق الذي لا يعكس سوى الاستسلام للشهوات والملذات والانقياد للأهواء والرغبات وحب للمباهاة والمغامرات والخروج على النظام، من غير مراعاة للمصالح ولا تقدير للعواقب ولا حفظ للمروءات ولا مراعاة للحقوق ولا صيانة للموارد والثروات، ولا تحسب لما قد يحمله الغد لنا جميعاً من مفاجآت في ظل ما تفرضه الأحداث العالمية المتواترة من تداعيات سياسية وجوائح صحية.
ولهذا نقول: إن تعاظم الأمم وارتقاءها في سماء العزة لا يكونان إلا بالترشيد في الاستهلاك والاقتصاد في الإنفاق وحفظ الموارد، وإن الإسراف في الإنفاق والاستهلاك بكافة صوره وأنماطه عدو لحفظ الثروات والموارد، وهو طريق سريع للإفلاس والفقر، وذلك لأن تضييع القليل يجر بالتأكيد إلى تضييع الكثير، آخذاً في الاعتبار أن حفظ النعم هو حفظ لمقاصد الدين الكبرى كمقوم أساسي لبقاء الأمة وقوتها ونمائها وسعادتها، وأن الشكر لله جل في علاه، يقتضي الترشيد في الإنفاق والاقتصاد في الاستهلاك بتقييد حسن التعامل مع النعم وحفظها حتى لا تزول.




http://www.alriyadh.com/1880205]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]