دوما ما نجهل أن الجهة الأولى الحقيقية لكل ما يواجهنا هي اللجوء لله أولا وأخير الذي برحمته وفضله يعين على تفريج الهم، وتيسير العسير، وتنفيس الكرب، وأن المولى عز وجل جعل لكل معضلة مخرجا، ويرزقنا من حيث لا نحتسب.
كل ذلك بمثابة أدوات نفسية إيمانية مؤكدة النتائج حين تتأكد النية، وتوثّق العزيمة، ويتقد الإيمان في دواخلنا فيعرف كلٌ منّا أين يذهب حينها.. بعد ذلك يمكننا أن نستعين بأسباب الحياة من الجهات الأخرى حولنا فهناك جهة في جانب آخر يرى المرء نفسه فيها، وزاوية بعيدة يمكث لوحده فيها يستجمع قواه، ودوما هناك ركن منزوٍ يحاول كل منّا أن يبحث عن ذاته فيه، ويسترجع بقاياه داخل نفسه.
قد تكون تلك الجهة مكانا أو قد تكون تلك الزاوية إنسانا، أو يكون ذاك الركن زمنا، ولعل أقرب ذلك لأنفسنا أن يكون هناك إنسان عزيز علينا، وحبيب إلينا، وكريم علينا معه الروح متآلفة، ومعه القلب متفق، ومعه العقل متوافق يكون مرآة بلورية صافية بلا خدوش ولا آثار غبار يرانا بعيون صادقة، وبصر نفاذ.. يرينا بعض الدروب الغائبة، ويرشدنا تجاه الصور الجميلة، ويوجهنا نحو مسارات الارتياح، ويساعدنا على التألق داخلنا وأمام الناس.
أحيان يجد أحدنا أن هناك مناطق ضبابية حوله، ومساحات رمادية لا تظهر شيئا خلفها ولا أمامها ولا حتى بينها.. فيتشتت ويتفتت إحساسه من دهشة الوقوف، ومن غرابة الواقع. وهناك منّا من ينقاد نحو خيالات ليس لها ألوان معروفة، ويتبع أطيافا متناثرة بلا تفسير ولا تفكير فيكون مشدودا نحو التقعر خلف نفسه، ويتكور على مشاعره وحده فتتفرق خطواته، وتتبعثر أفكاره، وتزداد حيرته.
هنا فقط تكون الجهة الخامسة مكانا للصياغة، وإعادة التشكيل، وتلوين الرمادي.. وهناك يكون ذلك الركن مكانا لاستجماع المتفرق، وتفريق الظنون البائسة، ومراجعة الفائت.. وهناك يكون ذاك الشخص حلما لترتيب ذواتنا، وبلسما لاسترجاع كل مفقود منّا، ووسيلة لعبور كل ضباب حولنا.. هنا فقط نعرف أن للحياة قيمة مختلفة في حالة من الحالات، ونتعرف على ما حولنا بطريقة جديدة.
مشكلة البعض الاستسلام للتقعر الذاتي، والقيد النفسي وفلسفة متاهاته بأنها فهم عميق للحياة فيظن بذلك أنه لا يحتاج لا لجهة خامسة، ولا لركن منزوٍ، ولا لإنسان مألوف.. فتقوده ظنونه نحو أحادية الرأي والاعتقاد، وتتجه به قناعاته تجاه النرجسية فيسقط بعد ذلك سقوطا شنيعا أمام نفسه، وأمام الناس فيخسر تحديه مع ذاته، ويفشل في ترتيب أوراقه، ويعجز عن الوقوف على قدميه مجددا.
حقيقة الأمر أننا لسنا بحاجة إلى أن نتحدى ذواتنا بـأن ننأى عن الآخر في حياتنا خصوصا من يحظى بفرصته لدينا، وبالذات من هو قريب لقلوبنا.. فالحاجة مصيرية للجهة الخامسة في حياتنا، والحاجة للركن المنزوي ضرورية، والحاجة لشخص مقرب أمر مُلح.. كل ذلك يجعلنا نتنفس من جديد حين نصطدم بضجيج الحياة، وصخب الهموم، وزحام التعب.. كل ذلك يجعلنا نفهم بأن الحياة أوسع من ظنونا فيها، وأرحب من حجمنا فيها، وأثقل من وزننا عليها.
ختام القول: إن ما دعاني هو رؤية الكثير مما عرفت وشاهدت وسمعت الكثير من يحاول إخفاء ذاته المتهالكة، ويتقعر بأحاديته المطلقة فينكمش حينها بين الناس.. ما دعاني هو أن الكثير لا يعرف كيف يواجه مشكلاته، ولا يجابه همومه، ولا كيف يتجه لجهته الخامسة.




http://www.alriyadh.com/1880434]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]