أهم ما يعمر به الشهر المبارك الالتزام بأداء فرائض الله تعالى، لا سيما الصلوات الخمس التي هي عماد الدين، وأحب الأعمال إلى الله فرائضه، والعناية بالنوافل على حساب الفرائض مضيعة للوقت والجهد..
لله تعالى حكمة بالغة في تنوع العبادات وتفاوت مقاديرها ودرجات مطلوبيتها، ولو شاء لأعنت عباده بتكليفهم ما يثقل ظهورهم من الواجبات، لكنه اللطيف الرحيم، وقد أغدق على المؤمنين الثواب الجزيل برحمته، وكلفهم أعمالاً ميسورة، ومن كرمه عليهم ما حباهم به في هذا الشهر المبارك من فرص الفوز بالخير والنجاة من الشر، والسمة الغالبة لهذا الشهر احتفاء المسلمين بقدومه، وحرصهم على التعبد فيه، لكن استثمار هذا الشهر ليس مجرد إمساك عن المفطرات فقط، بل الحكمة من تشريع الصيام فيه أعمق بكثير من ذلك، وما الإمساك الظاهري فيه إلا عنوان لإمساك القلب والجوارح عما لا ينبغي تعاطيه، وعن هذا يغفل كثير من الناس، فينبغي أن يستصحب المؤمن بين يدي هذا الشهر المبارك مبادئ مهمة منها:
أولاً: عظمة هذه النعمة التي نالها، وهي إدراك هذا الموسم، فكم من متمنٍّ لإدراكه حيل بينه وبين ذلك، واخترمته المنية قبل أن ينال أمنيته، أو كان رهن السرير الأبيض متدهور الحال لا يمكنه مشاركة الصائمين ومنافسة القائمين، وقلبه يعتصره الأسى على ما فاته من ذلك، بينما يغفل بعض الأصحاء عن أنه ممنوح أقصى ما يصبو إليه آخرون، ولا يُلقي بالاً لذلك، فإدراك هذا الشهر فرصة للفوز برضوان الله والتطهر من أدران الذنوب والخطايا، وبعض الفرص يدل تعمد إهدارها على الاستخفاف بها أو بلاهة مفوتها؛ إذ لا شك أن العاقل لا يُقصِّرُ في الفرصة العظيمة التي تعود عليه بالنفع الجزيل، ولا تكلفه إلا ما يتيسر عليه فعله؛ ولهذا ورد ذم المتهاون بهذا الشهر فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ» ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا فَقَالَ: " قَالَ لِي جِبْرِيلُ: أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَ عَبْدٍ - أَوْ بَعُدَ - دَخَلَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ" أخرجه ابن خزيمة.
ثانياً: إدراك الحكمة العظيمة المنطوية في فريضة الصيام، ألا وهي تزكية النفس والتضييق على الشيطان الذي يُسوِّلُ للإنسان حتى يوقعه في المعاصي، فمن أدرك هذا السر استصحب الانكفاف عن فضول الأقوال والأعمال المخلة بثواب صومه، واتصف بما يشرع له من سمو في التعامل ودماثة في الأخلاق، ومن غفل عن هذا المبدأ، وأطلق لنفسه العنان في ميادين هواها فهو عرضة لخسارة الموسم، لا سيما إن كان من المتعودين على استرسال لسانه في اللغو والغيبة وتسريح نظره في متاهات المحرمات، وكأن الحقائق منقلبة في نظر من هذا دأبه؛ إذْ كيف تَصَوَّرَ أن الطعام والشراب -وهما مباحان بل من قوام الحياة- حُظِرا لخصوصية هذا الوقت وحرمته، ثم تُستباحُ فيه الحرمات التي لم تزل محظورة في كل وقت، وتتعاظم حرمتها في الأوقات الفاضلة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» أخرجه البخاري.
ثالثاً: الإكثار من الأعمال الصالحة، فإن العمل الصالح ميمونٌ مباركٌ، ومن بركاته أن بعضه يؤزُّ إلى بعض، وأن الله تعالى يفتح منه نوعاً بفعل نوعٍ آخر، وقد قال بعض السلف: "إن من ثواب الحسنةِ الحسنةَ بعدها" ومصداقه قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى)، فقد يشرح الله صدر المرء لعملٍ صالح ٍكان يتكاسل عنه فيما مضى ببركةِ حسنةٍ فعلها، فينبغي في هذا الموسم أن يتعاطى الإنسان الصالحات قدر الإمكان وأن لا يحقر منها شيئاً، فعسى أن تُرفَعَ له حسنة فيقطف من ثمرات قبولها بركات عظيمة، من بينها أن تنشط نفسه وجوارحه لأعمالٍ أكثر وأعظم أجراً، وأن يُصرف عن الوقوع في الخطايا.
رابعاً: صيام وقيام هذا الشهر إيماناً واحتساباً وعد الله تعالى لمن أتى بهما أن يغفر له ذنوبه، فهما رأس مال هذا الشهر، أما الصيام فمعلومٌ أنه فريضة من أركان الإسلام لا مجال للإخلال بها، ولا يجوز ذلك، والقيام سنةٌ جليلةٌ ينبغي أن لا ينشغل بما يزاحمها، ومن أهم الأعمال في هذا الشهر تلاوة القرآن الكريم، فهذا شهر القرآن وفيه نزل، وفيه كان جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن.
وأخيراً: أهم ما يعمر به الشهر المبارك الالتزام بأداء فرائض الله تعالى، لا سيما الصلوات الخمس التي هي عماد الدين، وأحب الأعمال إلى الله فرائضه، والعناية بالنوافل على حساب الفرائض مضيعة للوقت والجهد.




http://www.alriyadh.com/1880632]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]