ألحّ علي هذا الذباب العنيد وأنا أكتب حتى أخذت ألوّح وأبعده بذراعي بحنق، أفسد علي تسلسل أفكاري، رغم أنه ضئيل والإنسان أكبر منه آلاف المرات، لكن هذا المزعج يعرف كيف يستفز رغم صغره.
في عالمنا قواعد، منها أن الكبير أقوى من الصغير، الأسد المفترس لا يفكر أن يفترس الفيل النباتي الرقيق لأنه سيسحق عظامه بسهولة، والملاكم المحترف يستطيع أن يلكم حتى من هو أكبر منه لكن إذا كان الفرق في الحجم شاسعا كأن يتقاتل ملاكم صغير مع رجل عملاق أطول من مترين فالخاسر سيكون الملاكم.
لكن مثل كل شيء في الحياة لا توجد قواعد ثابتة، ولا أبيض وأسود، فالصغير يمكنه أن يغلب الكبير أو على الأقل يضايقه ويؤذيه، وقد دخل أحد العلماء على خليفة قد ضايقه ذباب بشدة فسأل العالمَ بحنق: لماذا خلق الله الذباب؟ فأجابه العالم: ليذل به الجبابرة.
وقد ورد هذا المبدأ في القرآن في قصة داوود عليه السلام، وهو أصغر وأقل قوة من الملك جالوت شديد القوة والبأس، حتى صار الاثنان مثلاً سارياً للغات أخرى منها الإنجليزية، فيوصف القوي أنه جالوت Goliath إذا غلبه الأصغر David، وقصص غلبة الصغير للأكبر والأقوى يحبها الناس لأنها تخالف التوقعات، كما في قصة لابولابو الذي صار بطلاً وطنيا في الفلبين لما قاوم وقتل الناهب الدموي ماجلان وجيوشه الكبيرة المتطورة، ومثل الملاكم محمد علي الذي قاتل جورج فورمان وهو ملاكم ضخم بارع شاب شديد القوة، وكان محمد في أواخر مسيرته المهنية وأضعف وأكبر سنا، وتنبأ الكل أن الملاكم العظيم العريق سينتهي مساره بضربة قاضية تدمر مخه، وحتى هو لاحظ أن كل من حوله يتعاملون معه يوم النزال وكأنه يُساق لساحة الإعدام، لكنه استطاع بمهارة وصبر أن يغلب العملاق فورمان، وهي منازلة في أدغال زائير الإفريقية، عُرِفت باسم Rumble in the Jungle، وتظل من أشهر وأعظم الملاكمات في التاريخ.
الأصغر الأضعف غَلَب الأقوى الأكبر، الداوود يغلب الجالوت، القصة الخالدة.. النادرة!




http://www.alriyadh.com/1880969]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]