كنت أعمل في شركة يابانية تحت إدارة الرئيسة السيدة توكميتسو كيوكو، وكان يعمل في الشركة كمتدرب شاب ياباني طموح حلمه أن يصبح رائد أعمال ناجح. تفاجأت رئيسة الشركة بذلك الشاب يأتي للشركة بقميص وجينز غير مناسبين لهيئة العمل وفق الثقافة اليابانية. ولما سألت ذلك الشاب المتدرب عن السبب أجابها قائلاً: "أريد أن أقتدي بستيف جوبز الذي لا يلبس البدل الرسمية ويكتفي بهذا اللباس العملي". فما كان من السيدة توكيميتسو إلا أن وبخته بعنف بقولها: "عندما تحقق نجاحات كبيرة ويشار إليك بالبنان وتصبح لديك مصداقية مثل ستيف جوبز، بإمكانك أن تلبس ما تشاء. أما الآن وحتى ذلك الوقت فعليك أن تلتزم باللباس والزي الرسمي في الدوام!". مقالة اليوم تتحدث عن بناء المصداقية...
من الأشياء التي يتم تعليمها في اليابان للطلبة المتقدمين للجامعات، والخريجين المتقدمين للوظائف أهمية العناية بالمظهر الخارجي من تصفيفة الشعر والبدلة الرسمية وطريقة الوقوف والتحية والجلوس وحتى لون ربطة العنق. وبعد الالتحاق بالشركات اليابانية، يتم تخصيص وقت غير بسيط لتعليم الآداب العامة والقواعد التي يجب احترامها في الاجتماعات وإرسال الإيميلات وحتى طريقة تسليم وتبادل بطاقات العمل. كل هذه الأمور تصب في مسألة بناء الثقة والمصداقية للشخص والمنظمة. ويصل الأمر ببعض المؤسسات الإعلامية في اليابان إلى منع منسوبيها من امتلاك حسابات شخصي بأسمائهم الصريحة في مواقع التواصل الاجتماعي خشية أن يؤثر أي سلوك هنالك على الانطباع العام عن الشركة.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، ففي إحدى حلقات المسلسل الكرتوني الأميركي الشهير (عائلة سيمبسون) تقوم الزوجة (مارج بوفيه) بغسل القميص الرسمي الأبيض لزوجها مع ملابس حمراء ليتفاجأ رب الأسرة (هومر) بقميصه الرسمي وقد غدا وردي اللون. ولما سألته زوجته: "ما المشكلة؟ أليست لديك الشجاعة لتذهب العمل بقميص وردي؟" أجاب الأب هومر:"لا، لا أملك مصداقية كافية لأقوم بعمل مثل هذا!".
طبعاً من الضروري التأكيد أن المظاهر الخارجية ليست كل شيء. ولا نفع للمظاهر ما لم تصلح المخابر وتبرهن الأعمال وتشهد الإنجازات في نهاية الأمر. ومع ذلك فيظل للمظهر الخارجي دور كبير جداً في مسألة بناء المصداقية. وعندما يصل الأمر لقيادات الدول والمنظمات والشركات الكبرى فلغة الجسد وطريقة اللباس لها دلالاتها التي يتم قراءتها وتحليلها ودراستها بعناية فائقة من المختصين..
وأختم بتغريدة لشخصية يابانية ترجمها م. طلال سعيد، المتخرج من اليابان، حيث تقول: "ذات مرة، قالت لي جدتي (كُنْ شخصاً يستطيع الناس أن يسألوه عن الطريق). أن تكون شخصاً يُسأَلْ عن الطريق هذا يعني أن تكون ملابسك وتصفيفة شعرك مناسبتين، وتعابير وجهك وجسدك لطيفة، ما يصنع حولك مزاجاً عاماً لطيفاً يُمَكّن الناس من أن يعتمدوا عليك. أعتقد أن هذا ما أرادت أن تخبرني به جدتي".
وباختصار، إذا كان الكتاب من عنوانه فالحكم الأولي على الإنسان من مظهره الخارجي وسلوكه وطريقة تواصله وتعامله مع الآخرين..




http://www.alriyadh.com/1884416]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]