غبت عن المدينة عامين كاملين، وهي غيبة لم تكن مألوفة ولا مبررة؛ إلا بما فرضته جائحة "كورونا" من رعب وتوجس، على كافة الدول والأمم، خوفا من العدوى وتداعياتها، حتى أصبح الإنسان يتحرز، وهو يقترب من أخيه الإنسان، ومما حوله من العمران والمحلات ووسائل المواصلات، إلا مكرهاً.
في منتصف ليل الأسبوع الماضي، كنت أسحب شنطتي الصغيرة في ردهات "مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز"، الجميل الواسع، البالغ النظافة والإضاءة والترتيب، والبالغ السرعة في إنهاء إجراءات القادمين والمغادرين، المفرح أن الذين يقومون بهذه الخدمات، أصبح بينهم شباب وشابات من المدينة، وهو أمر يعتبر، وهو بهذه الكثافة والشمولية، جديدا، فقد بتنا نرى أولادنا في كافة مفاصل العمل صغيرها وكبيرها.
كانت المدينة المنورة، ونحن نمر في طرقاتها في الليل قادمين من المطار، هادئة كما عهدتها وعهدها أهلها وزوارها، لكن العين لا تخطئ النمو العمراني الذي امتد في أرجائها، فقد كان هناك تطور كبير، في الشوارع والأحياء والخدمات، المدينة الصغيرة التي عرفتها، لم تعد تلك التي تلتف حول المسجد النبوي الشريف، فقد خرجت خلال السنوات الماضية أحياء جديدة، كنا في السابق نعدها من القرى والضواحي، التي يتردد الإنسان في المرور بها ليلا؛ لانعدام الطرق والإنارة، لم أكن أتخيل أن العمران وبهذه الكثافة والتخطيط الجميل في توفير كافة الخدمات، سوف يمتد بهذه السرعة وبهذا الإتقان، بنايات وشوارع وإضاءة ونظافة، وطرق جديدة للمشاة فقط، تمتد من المسجد النبوي حتى "مسجد قباء"، تيسيرا على الزوار من أهل المدينة وقاصديها من كافة الدول.
في اليوم التالي وما بعده من أيام قليلة، زرت المسجد النبوي الشريف، المكان الذي كنت أدخله يوميا ومنذ الصغر، زائرا وطالبا، فقد كانت "مدرسة العلوم الشرعية" التي درست فيها، ملاصقة للحرم حتى دخلت فيه، وكانت "مكتبة عارف حكمت" التي كنت أزورها منذ وقت مبكر ملاصقة للحرم أيضا، حتى دخلت فيه، وإلى ذلك كنت أدرس القرآن في المسجد النبوي يوميا في حلقة أحد الشيوخ. المسجد النبوي الشريف، ليس مكانا للعبادة فقط، ولكنه مكان للدرس والتأمل والتخفف من الهموم.
وزرت كذلك مسجد قباء وسيدنا حمزة وما حولهما من الأحياء الجديدة، وكل هذه كانت قرى صغيرة شبه نائية، أصبحت الآن في وسط المدينة، بفضل ما تلقاه هذه المدينة الطاهرة من رعاية واهتمام أولي الأمر.
المدينة المنورة، ومنذ سنوات، يقوم على رعايتها والاهتمام بها صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، وهو خير منفذ لتعليمات وتوجيهات واهتمام خادم الحرمين الشريفين وولي عهده -حفظهما الله-، وبفضل هذا الاهتمام وهذه الرعاية تشهد المدينة الآن نهضة شاملة، طالت العمران ودور العبادة والعلم والمجالس والمراكز الثقافية، مثل "مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة". عندما تجلس مع سمو أمير منطقة المدينة المنورة، وهو رجل أكاديمي مثقف، سوف لن تستغرب ما تراه من نهضة حديثة، في مدينة خير البشر، عليه الصلاة والسلام.




http://www.alriyadh.com/1884420]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]