أعجبتني كثيراً تلك المبادرة الرائعة التي أطلقتها وزارة الثقافة السعودية ضمن حزمة المبادرات الجميلة التي تتوالى وتتصاعد، وقد فرحتُ وفخرتُ وأنا أشاهد سمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة وهو يغرّد بهذه التغريدة الفاخرة: «لأننا العمق العربي؛ تطوير وتوثيق المواقع الواردة في القصائد الخالدة للأعشى، امرئ القيس، زهير بن أبي سلمى، عنترة بن شداد، وقيس بن الملوح، وغيرهم، في مشروع #مسارالشعرالعربي قريباً»؛ نعم، نحن العمق العربي، ووطننا المعطاء، ومملكتنا الشامخة، هما أصل الثقافات، ومنبع الحضارات، وموئل العروبة، ومهبط الوحي، ونهر اللغة الخالد، وبحرها الزاخر؛ لذلك ليس غريباً أن يبدأ هذا المسار من أصله، ومنبعه؛ فالشعر إنما وُلِد أكثره، وتفتّق أجمله من هنا؛ من أرض المملكة العربية السعودية.
إن إطلاق مثل هذه المبادرات الجميلة يجمع الأدب بالفن، والتاريخ، والحضارة، والسياحة، والآثار، ويجعل الشعر العربي أكثر انفتاحاً على تلك المجالات، ومن ثم لا يصبح الشعر ديوان العرب فحسب، بل يتحول إلى صرح ثقافي، ومعرفي، وتاريخي، وسياحي، وبخاصة إذا أخذنا بالحسبان أن كثيراً من شعراء العرب المشاهير، وقصائدهم الخالدة، وقصصهم المشهورة، إنما نبعت من هنا، سواء أكان أولئك الشعراء من أصحاب المعلقات، أم من غيرهم، وسواء أكانوا من شعراء عصر ما قبل الإسلام، أم من عصر صدر الإسلام وما بعده، فإنك لا تجد مكاناً في المملكة العربية السعودية إلا وفيه موطئ قدم لشاعر عريق، ممن يمكن تتبعه، ورصد آثاره، وأشعاره، تجد ذلك في وسط المملكة، وفي شمالها، وجنوبها، وشرقها، وغربها.
ولئن كان لبعض الباحثين السعوديين جهودهم المتميزة التي ربطت بين الشعر ومنبعه، وبين الشاعر وبيئته، كما عند محمد بن بليهد، وحمد الجاسر، وعبد الله بن خميس، ومحمد العبودي، وغيرهم من المؤرخين والبلدانيين، ممن حاولوا ربط الشعر بالمكان؛ فإنني أذكر هنا ما يمكن أن يسهم به أهل الأدب الذين هم أهل الشعر وخاصته؛ حيث كان لأستاذي الفاضل د. عبدالعزيز بن محمد الفيصل -حفظه الله- جهده الواضح، والملموس، في رصد (جغرافية جديدة ومواكبة للأدب)، وذلك من خلال عنايته بشعر الشخصيات، والقبائل، والأمكنة، وقد ظهر ذلك جليّاً في مؤلفاته الرصينة، كـ(شعراء بني قشير)، و(شعراء بني عقيل)، و(شعر بني عبس)، و(ديوان الصمة القشيري)، و(الأدب العربي وتاريخه)، و(المعلقات العشر)، و(شعراء المعلقات العشر)، و(عودة سدير) ضمن سلسلة (هذه بلادنا)، وغيرها.
لقد رسم أستاذنا الدكتور عبدالعزيز الفيصل مسارات عدة لشعراء انطلقوا من مملكتنا الحبيبة، وما زلتُ أذكر كيف كان يوثق لنا في محاضراته ومؤلفاته شعر الأعشى، ومواضع نجد في الشعر العربي القديم، وتحديداً الجبال، كجبال (طويق)، و(حضن)، و(أجأ)، و(سلمى) وغيرها من الجبال، والبقاع، والمياه، والأمكنة، والمواضع؛ وكان يربط تلك الأماكن الشعرية بأحداثها الأهم، كقوله لما مررنا بـ(طخفة) في إحدى المحاضرات: «وطخفة هي المكان الذي حصلت فيه المعارك بين خالد بن الوليد، ومالك بن نويرة».
وإني لأرجو أن تفيد هذه المبادرة الجميلة التي أطلقتها وزارة الثقافة من جهود أستاذنا الفيصل ومؤلفاته المتخصصة في هذا الباب، ومن جهود غيره من المهتمين بهذا الشأن، بالإضافة إلى تطعيم المبادرة بكل ما يبرزها ثقافياً، ومعرفياً، وسياحياً.




http://www.alriyadh.com/1884523]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]