تحل علينا بعد أيام الذكرى الرابعة لوفاة "ملك الصحافة السعودية" الأستاذ تركي السديري، الرجل الذي لا تزال بصماته على الإعلام العربي والسعودي شاهداً على دوره المحوري في تطور وتقدم إعلامنا.
"الأستاذ" الذي راهن طوال حياته على الاستثمار في الصحفي السعودي، الذي حوّل صحيفة "الرياض" إلى أشبه ما يكون إلى جامعة أو معهد صحافة محترف، يؤكد ذلك رؤساء تحرير الصحف الأخرى الذين قدموا من إدارة تحرير "الرياض"، بل حتى من صفها الثاني والثالث أضحوا اليوم هم القيادات الإعلامية للعديد من الجهات الحكومية والخاصة، وهو ما يفصح عن بُعد نظرٍ في المراهنة على بناء الصحفيين السعوديين.
"الأستاذ" الذي فتح لي باب بداياتي الصحفيّة قبل أكثر من عشرين عاماً، حينما كنت لا أزال طالباً جامعياً! ثم سنوات بعد التخرج حتى انتقلت إلى صحيفة الوطن، ثم عدت لبيتي الأول في أواخر أيامه مستمراً بها حتى اليوم.
"الأستاذ" الذي تمثّل دور الأب مع أبنائه الصحفيين، يقسو أحياناً ويعاقب بشدة أحياناً أخرى، لكن في داخله يحمل محبة كبيرة وشغفاً واسعاً لدعمهم وتطويرهم، وزيادة قدراتهم حتى المادية منها، حتى باتت "الرياض" مطمعاً وحلماً لكل محرر وكاتب، كون محرريها كانوا يتقاضون ضعف ما يتقاضاه قرنائهم في صحف أخرى! ناهيك عن توفير الدورات التدريبية ودراسة اللغة الإنجليزية خارج المملكة، لدرجة أنه كان يدخل في صراعات مع مجلس إدارة المؤسسة ليتيح لهؤلاء المحررين الدراسة في الخارج مع استمرار صرف مرتباتهم الشهرية كاملة دون تأثير!
"الأستاذ" الذي لم يكن يتخلى عن أبنائه حينما تقع عليهم عقوبات إدارية أو مهنية، فهو من يسعى لدى وزارة الإعلام وغيرها، لإلغاء العقوبات أو تخفيفها، مما منحهم شجاعة أكبر ليكتبوا بمهنيّة مسؤولة وهامش حركة مُعتبر، لأنهم يعلمون أن "السديري" سيكون دوماً خلفهم.
أيضاً جرأة "الأستاذ" في التقدّم إلى الأمام واستشراف المستقبل، حينما أنشأ في عام 2006م أول إدارة متخصصة بالإعلام الرقمي خليجياً! رغم عدم إلمامه الكامل بالتطورات التقنية المتسارعة، فاستقطب 18 شاباً سعودياً متحمساً ومبدعاً، قادوا الصحيفة للتفوق الإلكتروني والحصول على جوائز كبرى، وهو ما يعكس مدى قدرته على توظيف واختيار المواهب، ومنحها الصلاحيات للإبداع والابتكار والتفوق.
غير أن الخطوة التاريخية قام بها "الأستاذ" في ديسمبر 2010م، وتسجل له الريادة على المستوى العربي، هي حينما منح نحو 47 صحفياً من محرري الصحيفة أسهماً في ملكية مؤسسة اليمامة الصحفية، عبر التنازل عن عددٍ من أسهمه الشخصية هو ورفيق دربه الأستاذ صالح الحيدر، فعن أي تقدير للصحفي نتحدث؟
كم نفتقد صاحب البصمة الأكبر في صحافتنا السعودية، لكن الأصعب أن نفقِد إرثه وتجربته، لذا تقع المسؤولية اليوم على عاتقنا وعاتق أبناء مؤسسة اليمامة الصحفية لتوثيق مسيرة "الأستاذ"، وبالذات ما نشر في زاويته "لقاء"، في مجموعة كتب ووسائط فنية، لتكون شاهداً على قصة نجاح صحفي حقيقي قلّما تتكرر.




http://www.alriyadh.com/1884725]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]