من المفاهيم التي يجب تصحيحها قول البعض: إن القادة يولدون ولا يصنعون. نعم قد يولد الشخص بمواهب أو قدرات معينة سواء في الرياضة أو الفن، لكن تعلّم القدرات وتطويرها يفوقان كثيراً في أهميتهما أي قدرات يولد بها الإنسان..
وصل حديثاً إلى القاعدة الجوية، مهمة الوحدة الرئيسة، هي تجهيز الطائرات وتدريب الطيارين للقيام بالمهمة في أوقات السلم والحرب، وكل ما عداها مهمات مساندة، سأل عن صلاحية الطائرات، قيل له إنها لا تتجاوز 60 %، استدعى المسؤول عن الصيانة، أجاب أن السبب قطع الغيار، فهي لا تصل بانتظام، وإن وصلت فالأولوية للقاعدة التي فيها التموين المركزي لهذا النوع من الطائرات. ذهب إلى القيادة وطالب بحل مشكلة تأخر قطع الغيار، ليفاجأ أن المعلومة التي أوردها مسؤول الصيانة ليست صحيحة، وجد أن المشكلة إدارية ومنها ضعف المتابعة وقلة الإنتاج وعدم المتابعة، طالب بتغيير أكثر من مسؤول وكثف زياراته لورش الصيانة وخط الطيران، تابع صلاحية الطائرات يومياً، وطالب بتقرير عن كل طائرة لا تقلع في الوقت المحدد بسبب الصيانة، بعد أقل من ثلاثة أشهر ارتفعت صلاحية الطائرات إلى حوالي 86 % واستمرت على ذلك مدة ثلاث سنوات هي مدة بقائه قائداً للقاعدة.
دروس مهمة تستنبط من الحالة المذكورة بعاليه: أهمها جعل المهمة الرئيسة للوحدة أو المؤسسة هي الأساس، هي التي يجب أن توجه لها كل الجهود لتنفيذها على أكمل وجه، ومن أخفق في المهمة الرئيسة للوحدة فكل ما عداها لا يشفع له، قد تكون حالة المباني جيدة والأثاث نظيفاً والأشجار مقلمة وهذا جيد، ولكنها عوامل مساعدة فقط. عدم تمكن مدير الجامعة على سبيل المثال من تخريج طلبة أكفاء في تخصصاتهم، ولديهم القدرة على مواصلة التعلم ويتمتعون بالمهارات المطلوبة لسوق العمل يعني أنه أخفق في تحقيق المهمة الأساس التي من أجلها أنشئت الجامعة أو الكلية المتخصصة، وهكذا مع كل قائد ومدير.
الدرس الثاني من الحالة أعلاه هو أنه ما لم يلم القائد أو المدير بالمهمة التي من أجلها أوجدت المؤسسة، ويشرف بنفسه على تنفيذها فمن السهولة أن يُعطَى إجابات خاطئة عن أسباب الإخفاق أو الحل للمشكلة. معظم من يخفقون في أداء مهامهم يبحثون عن أسباب خارج مسؤوليتهم، يلقون باللوم على قوى خارجية، سواء كان ذلك الإخفاق معركة مصيرية ترسم خارطة المستقبل كحرب الأيام الستة، أو خسارة مباراة في كرة القدم، ففي المعركة قد تنسب الهزيمة بسبب تدخل دولة كبرى، وفي كرة القدم تعزى الهزيمة لتحامل الحكم والحظ العاثر. وهذا يعفي المسؤول من تحمل النتيجة، والخطر في هذا هو عدم البحث عن الأسباب الحقيقية للتقصير وحلّها.
الدرس الثالث والأهم هو حسن اختيار المسؤول الذي يستطيع أداء المهمة على الوجه المطلوب، المرؤوس ينظر ماذا يريد قائد الوحدة أو مديرها وبماذا يهتم؟ متى سيحضر للدوام ليأتي قبله بدقائق؟ القائد القابع في مكتبه معظم الوقت أو من يقضيه في اجتماعات مطولة لن يعرف ماذا يدور في مؤسسته. لذا من المهم أن نهتم باختيار القادة في وقت باكر ثم تأهيلهم وتمكينهم.
إعداد المزيد من القادة مهم، والقائد وحده لا يمكن أن ينجح بجهوده وحده، لابد من وجود صفّ ثانٍ وثالث لأداء المهمة، وقد أوصى الكاتب والمحاضر الأكثر شهرة في أميركا "ديل كارنيجي" أن يكتب على قبره العبارة الآتية: "هنا يرقد شخص كان يعرف كيف يجمع حوله رجالاً أكثر براعة منه".
ومن المفاهيم التي يجب تصحيحها قول البعض: إن القادة يولدون ولا يصنعون. نعم قد يولد الشخص بمواهب أو قدرات معينة سواء في الرياضة أو الفن، لكن تعلّم القدرات وتطويرها يفوقان كثيراً في أهميتهما أي قدرات يولد بها الإنسان. وبناء القادة يبدأ في مراحل متقدمة، ومنها مرحلة التعليم العام، وذلك بإعطاء الفرصة للطلبة لبناء الثقة بأنفسهم، وإعطائهم أدواراً يمارسون فيها القيادة سواء في الفصل أو في المسرح المدرسي أو في الأنشطة الكشفية، والانخراط في الأنشطة التطوعية، مع التركيز على زرع روح التعاون والاستقامة والأمانة ومهارات الاتصال وروح الفريق.
في المؤسسات العسكرية والمدنية، كبيرها وصغيرها يوجد العنصر الأهم لإنجاز المهمة، وهو القائد وما يتمتع به من صفات وقدرات، وما يتخذه من قرارات تمثل الفرق بين النجاح والفشل.




http://www.alriyadh.com/1885724]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]