الشراكة بين البنك الإسلامي والأمم المتحدة، تركز على أدوات الزكاة والصدقات لمجابهة التحديات على المدى القصير والمتوسط، بينما تطرح آلية الوقف كنموذج لتحقيق التنمية المستدامة ومجابهة التحديات على المدى الطويل..
وقعت بلدان العالم في سبتمبر 2015 بقيادة الأمم المتحدة على خطة جديدة للتنمية البشرية الشاملة والمستدامة تطمح إلى تحقيق 17 هدفاً رفيع المستوى، و169 هدفاً محدداً بحلول 2030 تشمل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للتنمية، وتتماشى مع مبادئ وأهداف التنمية من منظور إسلامي، وترمي إلى تحسين نوعية حياة الأفراد عبر القضاء على الفقر والجوع، وتعزيز الصحة والتعليم، والحد من عدم المساواة والتفاوت بين الجنسين، وإقامة البنية التحتية وجعل المدن أكثر استدامة، ومكافحة التغير المناخي، وحماية المحيطات والغابات والتنوع الحيوي، وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام.
ويدرك البنك الإسلامي للتنمية أن الأهداف الإنمائية تختلف من بلد إلى آخر من دول الأعضاء الـ57، منها 26 تعد من أفقر بلدان العالم. لذلك، فإن البدء في عملها وتحفيزها يكون من خلال فهم الاحتياجات الحقيقية، وتكيّف تدخلاته وفقًا لذلك.
وفي ظل تعقيدات المشهد الدولي، هناك حاجة ماسة لإعادة مفهوم تواصلنا مع المجتمع الإنساني العالمي، وإظهار عناصر الإيجابية التي ترتبط بمفاهيمنا الإسلامية الريادية التي توضح بجلاء صورة مشهدنا الحضاري على أكمل وجه، وللأمانة التاريخية، فإن أكثر من استطاع سد هذه الفجوة المعرفية والاتصالية، البنك الإسلامي للتنمية، الذي قدم خريطة تنموية تتسم بالشمولية العالمية والاستراتيجية العميقة، وهو ما نجح في تفعيلها بشكل ديناميكي رئيسها الدكتور بندر حجار.
وعلى وقع "رب ضارة نافعة"، كانت جائحة (كوفيد - 19) بمثابة الفرصة الحقيقية، لإعادة التعافي الاقتصادي وفق أدوات التمويل الإسلامي الاجتماعي، وهو الدور الذي قام بإعادة توجيهه البنك من خلال شراكته الاستراتيجية في إطلاق مبادرة عالمية مع منظمة الأمم المتحدة، والمنظمات المنطوية تحتها كمنظمة الصحة العالمية والاسكوا (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا) والتحالف للقاح والتحصين (Gavi) عبر إطلاق حلول عملية للتخفيف من آثار الجائحة.
تابعت بعضًا من المحتوى الإخباري المتعلق بهذه المبادرة، خاصة تلك الدلالات التي طرحها رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، وتأكيدات على أهمية الحوار الدولي حول دور التمويل الاجتماعي الإسلامي، التي ستوفر في ظل هشاشة الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية العالمية، فرصًا للصمود، وثقته بأن الزكاة والصدقة والوقف والتمويل الإسلامي الأصغر تعد أدوات لنهج تنمويّ أكثر مرونة وشمولاً واستدامة، بما في ذلك إنتاج لقاحات كوفيد - 19 لخدمة البلدان النامية والأقل نموًّا.
ولمن لا يدرك التفاصيل المحورية، فإن التمويل الاجتماعي الإسلامي هو آلية تمويل أساسية، تستخدم أدوات تقليدية مثل الزكاة التي تبلغ مساهماتها السنوية نحو 300 مليار دولار، والصدقة، والوقف (ومنه الصناديق الاستئمانية)، بالإضافة إلى أدوات التمويل الأصغر كالقرض الحسن، وجميعها يستند إلى قيم الإيمان والشمولية لتعزيز الثقة المجتمعية والتعاون والتضامن في مكافحة الفقر والجوع، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.
تحرك البنك الإسلامي العالمي خلق في الواقع مساحة للحوار بين المتخصصين في التمويل الإسلامي الاجتماعي والمهتمين بالعمل التنموي؛ من أجل بناء مادة معرفية، وإقامة سلسلة من الندوات ستبدأ من منتصف يونيو الجاري، وتستمر على مدار عدة أشهر، سينتج عنها - وهو الأهم - منصة معرفية مرجعية للمهتمين، وخطة عمل واضحة المعالم يمكن أن يتبناها المجتمع التنمويّ تفضي إلى دمج التمويل الإسلامي الاجتماعي بالعمل التنموي والاستفادة من مزاياه التنافسية.
وبالتوازي مع هذه المخرجات المعرفية، سيتم إطلاق مبادرات عملية مثل المبادرة المقترحة لتمويل لقاح كورونا عن طريق أموال الزكاة والصدقات، وذلك لكي يسير الأثر العملي مع البناء المعرفي يداً بيد، وحشد الموارد المالية وتوجيهها لسد الفجوة التمويلية الكبيرة المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ضمن الخطة الدولية لعام 2030، حيث تقدر الفجوة أصلاً بـ2.5 مليار دولار سنوياً، واتسعت مؤخراً بسبب الجائحة.
إذا استطاع المجتمع التنموي توجيه نسبة من أموال الزكاة المقدرة سنويًا بـ300 مليار دولار لخدمة أهداف التنمية المستدامة بشكل مباشر، فإن هذا سيعد إنجازاً تنمويًا كبيراً يحسب حقيقة للبنك الإسلامي، خاصة أن أحدث التوقعات الاقتصادية التي أصدرتها الأمم المتحدة تؤكد أن التعافي الاقتصادي لا يزال معرّضًا للخطر، على الرغم من التقدّم الطفيف الذي تم تسجيله مقارنة بأرقام عام 2020، وذلك بسبب ارتفاع أعداد الإصابات بالوباء وتأخر وصول اللقاحات إلى البلدان ذات الدخل المنخفض وتفاقم عدم المساواة، وجميعها عوامل تعيق التقدّم نحو أهداف التنمية المستدامة، في ظل العولمة وسرعة وسهولة تفشي وانتقال الأوبئة.
أخيرًا .. من المهم تبيان الأمر للرأي العام من أن الشراكة بين البنك الإسلامي والأمم المتحدة، تركز على أدوات الزكاة والصدقات لمجابهة التحديات على المدى القصير والمتوسط، بينما تطرح آلية الوقف كنموذج لتحقيق التنمية المستدامة ومجابهة التحديات على المدى الطويل. لذلك من المهم على الجامعات والمراكز البحثية المتخصصة، دراسة تجربة البنك الإسلامي بشكل منهجي وعلمي.. دمتم بخير.




http://www.alriyadh.com/1889394]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]