الإيمان السعودي بمكافحة الفساد، وأهمية تعزيز الجهود محلياً ودولياً، دفعاها خلال رئاستها مجموعة العشرين (G20) لتقديم مبادرة نوعية باسم «الشبكة التشغيلية العالمية لسلطات إنفاذ القانون لمكافحة الفساد (GlobE)»، وهي شبكة عمليات عالمية لتبادل المعلومات بين أجهزة مكافحة الفساد حول العالم..
تشهد السعودية تطورات ديناميكية ملموسة في مكافحة الفساد، حتى أضحت أيقونة إقليمية ودولية في هذا الملف الحيوي، وذلك بشهادة القاصي والداني والعدو قبل الصديق، وهو انعكاس طبيعي لمنظومة رؤية 2030، والجهود الإصلاحية الحكومية الواسعة التي طالت جميع مفاصل الدولة بلا استثناء، وبدعم لا محدود من القيادة السعودية، وبإشراف مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وإذا ما فككنا خطاب مقاومة الفساد في المملكة، نجد أنه قائم على معادلة أن "الفساد المالي والإداري المعرقل الرئيس لخطط وبرامج التنمية"، وهو الأصل الذي من أجله وافق عليه مجلس الوزراء عند تنظيم هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) في العام 2017؛ من أجل تعزيز مبدأ الشفافية ومواجهة الفساد بشتى صوره، لخطورته على مكونات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.. الخ.
التحركات السعودية الكبرى لمواجهة الفساد، كان من نتائجها تقدمها في ترتيب مؤشر مدركات الفساد لعام 2020 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية (CPI)، إذ نالت المركز 52 عالميا من أصل 180 دولة، محققة المركز 10 بين مجموعة دول العشرين الاقتصادية G20، من خلال الاستناد على التصورات المتعلقة بانتشار الفساد في الدول عبر مجموعة من الاستقراءات والتقييمات المعنية بالفساد، التي جمعت عن طريق مصادر بيانات المنظمات الدولية المتعددة المعتمدة لدى المنظمة.
هذا الإيمان السعودي بمكافحة الفساد، وأهمية تعزيز الجهود محلياً ودولياً، دفعها خلال رئاستها لمجموعة العشرين (G20) لتقديم مبادرة نوعية باسم "الشبكة التشغيلية العالمية لسلطات إنفاذ القانون لمكافحة الفساد (GlobE)"، وهي شبكة عمليات عالمية لتبادل المعلومات بين أجهزة مكافحة الفساد حول العالم، وهو ما أعلن عنه رئيس "نزاهة" مازن الكهموس خلال رئاسته لوفد المملكة المشارك في الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة المخصصة لمكافحة الفساد.
ما يهمنا في هذه المبادرة، هو التزام المملكة بمسألة تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الفساد، من خلال تقديمها 10 ملايين ريال لإنشاء الشبكة الأممية ودعم هيئة الرقابة ومكافحة الفساد لمكتب الأمم المتحدة (UNODC)، لدورها الحيوي في هذا المجال.
أعتقد أن مباركة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لمبادرة الرياض، أمر مهم لدور السعودية في تمويل وإنشاء شبكة (جلوب)، والتأكيد على إدراكها العميق بأن التغلب على تحديات جرائم الفساد العابرة للحدود يتطلب التعامل الوثيق بين سلطات إنفاذ القانون المعنية، وهو ما سيسهم في إعادة بناء الثقة وتقديم الفاسدين إلى يد العدالة، من خلال الاستفادة من تجربة الرياض في مكافحة الفساد.
من المسارات المحورية التي صاحبت تدشين "مبادرة الرياض"، انها حظت بدعم وتأييد كافة المنظمات الدولية ذات العلاقة بمكافحة الفساد بما في ذلك المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الانتربول)، ومجموعة العمل المالي (فاتف)، وهيئة مكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب المعروفة باسم مجموعة إيغمونت لوحدات الاستخبارات المالية، بالإضافة إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أما توقيت الإعلان عن "مبادرة الرياض" مهم جدًا، ويأتي في وقت تسعى فيه الحكومة السعودية إلى اجتثاث "أنماط الفساد" من جذوره.
أهم خصائص هذه المبادرة أن ستعزز من قدرة الدول على ملاحقة الفاسدين وأموالهم؛ للحد من الملاذات الآمنة، واسترداد الأموال العامة المسروقة إلى بلدانها الأصلية، وبحسب تقرير مؤشرات مدركات الفساد 2020 ينخر الفساد في عظام أكثر من ثلثي دول العالم.
ولفهم ولاستيعاب تأثيرات الفساد، نستشهد بما جاء في موقع "إنسايدر مونكي" الأمريكي من أشهر قضايا الفساد في العالم، والتي ترتبط بأسماء شركات عالمية، منها على سبيل المثال لا الحصر، تورط شركة إيرباص الأوروبية في أكبر قضية رشوة في تاريخ الشركات، بعدما دفعت أكثر من 5 مليارات يورو لبعض الجهات بفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية للفوز بعد عقود، لتلتزم بعدها بسداد غرامات تقدر بـ3.9 مليارات دولار من أجل تسوية القضية، ومن القضايا الآسيوية الشهيرة، تورط رئيس الوزراء الماليزي الأسبق نجيب رزاق، بعدما قام في 2015 بتحويل 700 مليون دولار من صندوق التنمية الماليزي "1MDI" إلى حساباته المصرفية الخاصة، وأثناء التحقيقات عُثر في منزله على أموال وأصول تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، وواجه الصندوق بسبب هذا الفساد مديونية ضخمة تقدر بـ 12 مليار دولار.
أخيرًا .. على الجميع أن يدرك ما أدركته البلدان المتقدمة منذ أمد بعيد، وهي أن "الفقر والتخلف لن ينتهيان ما لم يتم القضاء على الفساد من جذوره" .. دمتم بخير.




http://www.alriyadh.com/1890636]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]