قضية مهمة ومحذرة، واستشراف لما نحن فيه من أخطاء علمية وبحثية، وأقلها ما نحن فيه من وباء كورونا، وغيرها من أبحاث الدمار الشامل وأسلحة الحروب الجرثومية، وما خفي كان أعظم..
إن العلماء والباحثين - ممن يغطون بقعة كبيرة من مساحة هذه الأرض التي خُلقت للحب والخير والسلام والتآلف والعيش في مودة مع جميع مخلوقات الله - يعملون في معاملهم ليل نهار باحثين عن المعرفة.
والمعرفة أمرها مرهق وشاق، حيرت البشرية منذ أن أعمل آدم عقله حتى يومنا هذا، باحثين عن سر دفين، يتجدد سره كل يوم على مدار الدهر.!
والمعرفة التي أطلق عليها سمو الأمير الشاعر خالد الفيصل، مسمى الذاهبة في قصيدته التي تحمل هذا الاسم نفسه هي ذلك اللغز المحير، والذي يعمل عليه العلماء والباحثون والفلاسفة جل جهدهم، وكأنهم يبحثون عن سر الوجود والبقاء والكون بأسره. وبالرغم من أهمية بحثهم وجلدهم مما يعود على الإنسانية بالنفع وهذا أمر لا شك فيه، إلا أنه يمكن أن يوقع الإنسانية في شرك كبير وهو ما نلاحظه في تتبع الإبداع الذي ينبه عن مخاطر هذه التجارب أو تلك، وكأن المبدعين قد أوتوا من الحدس ما ينبئ عما يحمل المستقبل؛ مما يجعل اليقين أمرا مذهلا إذا ما تأملنا ما يخطون وما ينتجون.!
فمن يشاهد ويتأمل فيلم حياة (Life)‏ ذلك الفيلم الأميركي الذي يتكئ على الخيال العلمي الذي ينطلق في آفاق الخيال الرحب، يشعر أنه يتماس مع الواقع بطبيعة الأمر كما هو متعارف عليه من شروط الإبداع والذي يتحتم هذا التماس من أجل معالجة قضايا مهمة وإلا أصبح نوعا من الهرطقة إذا لم يحقق هذا الشرط المهم.
هذا الفيلم من إنتاج العام 2017، ومن إخراج دانيال إسبينوزا وكتابة ريت ريس وبول ويرنيك وبطولة كل من جيك جيلنهال وريبيكا فيرغسون ورايان رينولدز، ومن ارتكازاته الدرامية أن طاقما مكونا من ستة أفراد من محطة الفضاء الدولية يكتشف ما يبدو أنه أول دليل على وجود الحياة على سطح كوكب المريخ، لكنهم يدركون أن ما كشفوه ليس كما بدا لهم. تلك هي فرضية العمل الدرامي التي أخذت مسارات مهمة في الكشف عن دواهي البحث إذا ما أخطأ العلماء، فخطأ العالم ليس بهين، إذ أنه بطبيعة الحال سيقود البشرية إلى الهلاك.
قضية مهمة ومحذرة، واستشراف لما نحن فيه من أخطاء علمية وبحثية وأقلها ما نحن فيه من وباء كورونا، وغيرها من أبحاث الدمار الشامل وأسلحة الحروب الجرثومية وما خفي كان أعظم.!
الفيلم يحمل قصة ستة رواد فضاء ذهبوا في رحلة استكشافية إلى المريخ، لكنهم يذهبون إلى عملية تطوير بعض ما قادهم إليه شكهم أنه يحمل جينات الحياة، وتبدأ الرحلة بتطوير جينات متناهية الصغر تحمل بذور الحياة، وما لبثت أن تتحرك حتى غمرت الفرحة أجواء الطاقم في بهجة كبيرة حتى أنهم أطلقوا عليه اسم (كالفن) وهو كائن متناه الصغر إلا أنه سرعان ما بدأ في الحركة والتنفس وهذا كان سر سعادتهم، لكن الحكاية تحمل في جوفها سر دمار هذا العالم كما يتخيل كاتب السيناريو، إذ أن كالفن الابن المدلل لأحد الرواد يتمرد على القفص، ويعمل عقله في كيفية الخروج من الأسر، ثم يبدأ في مهاجمة جميع رواد السفينة يقضي عليهم الواحد تلو الآخر ومن دون اختيار، ينتشر بشكل هلامي فيدخل من كل فتحات الأكسجين ومن ثقوب الأبواب فلا يدع واحدا منهم بلا هلاك، وهنا تبدأ رحلة الصراع الدرامي بين علماء يبحثون عن الحياة، وبين حياة تبحث عن البقاء. تقول بطلة الفيلم: إن كالفن يحبنا ولكن في الوقت نفسه يبحث عن البقاء ومن هنا يكون الصراع من أجل البقاء من هو الأجدر بالحياة، علماء ذهبوا لاكتشاف الحياة، أم وليد اكتسب الحياة ويقتل من أجل الحفاظ على مكتسباته الوجودية في هذا الكون، وكأنه استشراف لهذا الفايروس اللعين (كورونا) الذي يهدد العالم كله بل هدده بالفناء جراء خطأ بحثي (ربما).
وإذا ما تجولنا في عمق هذا العمل الدرامي الذي يأخذ المشاهد إلى غياهب لذة المشاهدة عبر التوتر المستمر ومن دون تكليف ذهنه بأغوار المعطى الدرامي لأنه في حالة اندماج وترقب - وهذه هي متعة المشاهدة - لكننا في الربع الأخير من الفليم نجد أنه لم يبق من العلماء سوى اثنين فقط، يحملان آمالا كبيرة في كيفية إنقاذ كوكب الأرض من هذا الكائن الذي يتضخم كل دقيقة ليصبح وحشا فاتكا إذا ما هبطت السفينة على الأرض وهو بها. هذا الخوف جعل الرائدين يفكران فقط في عدم هبوط السفينة على الأرض حتى لو كلفهم ذلك أرواحهم في مشهد إنساني بالغ الحس في إنقاذ الأرض وأهلها منه، وخاصة أن السفينة قد أخذت في التوجه إلى الأرض، مما دفع أحدهما بالتضحية بنفسه، مقترحا أن تركب البطلة سفينة أخرى تفصلها عن المركبة وتتجه إلى الأرض بينما يذهب هو ليحطم المركبة التي تحمله ويضحي بنفسه من أجل إنقاذ الأرض التي يجب أن يحيا أهلها في سلام. لكن الصدمة الكبرى أن تحطمت سفينة البطلة وتهبط مركبة الرجل حاملة معها هذا الوحش الكاسر إلى أهل الأرض مهددا أهلها بالفناء، بل ويساعد في ذلك مجموعة من الصيادين في فتح المركبة بجهل وغير معرفة لخروج (كالفن) المدمر والمقاوم لكل النيران والأسلحة.!
هذا الفيلم لم يخلُ من الفكر النابذ للحرب والداعي للسلام إلا أنه يحقق الحرب البيولوجية المدمرة متناولا - على سبيل المثال - الحرب في سورية، إذ يقول بطل الفليم والمساعد في تكوين (كالفن) إنه حينما كان طبيبا يذهب لعلاج مصابي الحرب في سورية يعالجهم ثم يعود في اليوم الثاني ليجد أن المستشفى قد أبيدت بمن فيها، وهذا هو مفتاح السر لهذا الفيلم (الحرب والسلام) في ضوء الاختراعات والأسلحة البيولوجية الفتاكة للبشرية، وبلا مدافع أو متفجرات وكأن بحدسه قد استشرف (كورونا) وغيرها من أسلحة الدمار البشري.




http://www.alriyadh.com/1897608]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]