هذا الرجل مجهول عندنا، وحتى نبينا صلى الله عليه وآله لم يسمه لنا، لكن اسمه كان معلناً في السماء العليا، بأمر ملك الملوك، إذ أصدر أمره الذي لا يرد ولا يبدل: اسق حديقة فلان. من فلان؟ ماذا فعل فلان، حتى يختصه رب الناس ومليكهم بذكر اسمه ويفيض عليه من فضله؟..
يستبشر الناس بالسحاب، ويسألون الله تعالى أن يسخره فيغيثهم بمائه الزلال، فتحيا به أرضهم، وتسعد قلوبهم، وتسقى مواشيهم، وتنبت الأرض وتزهر من كل زوج بهيج.
هذا هو شأن الرحمة التي تهدى من الله إلى خلقه عبر الغمام، "أفرأيتم الماء الذي تشربون، أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون". وآيات بيان فضل الله ورحمته بالسحاب الثقال كثيرة، كلها تُلفت وتنبه العقل إلى رحمة الله وقدرته، وعجيب صنعه، وحكمته.
ومن أهم مزايا السحاب أن يعم، فيكون شاملاً للقرى والمدن، ويغطي قفران ومساحات واسعة شاسعة، تسوقه الرياح بشرى بين يدي رحمته.
فمن العجيب المخالف للطبيعة والمعتاد، أن يقتصر السحاب على جزء صغير يختصه بمزنه، ويفيض عليه من مائه الطهور، وهذا ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "بيْنَا رجُلٌ بفَلاةٍ مِن الأرضِ، فسَمِع صَوْتًا في سَحابةٍ: اسْقِ حَديقَةَ فُلانٍ، فتَنحَّى ذلك السَّحابُ، فأفرَغ ماءَه في حَرَّةٍ، فإذا شَرْجَةٌ مِن تلك الشِّراجِ قد استَوعَبَتْ ذلك الماءَ كلَّه، فتتبَّعَ الماءَ، فإذا رجلٌ قائمٌ في حَديقَتِه يُحوِّلُ الماءَ بمِسْحاتِه، فقال له: يا عبدَ اللهِ، ما اسْمُك؟ قال: فلانٌ؛ للاسمِ الَّذي سَمِع في السَّحابَةِ، فقال له: يا عبدَ اللهِ، لِم تَسأَلُني عنِ اسْمي؟ فقال: إنِّي سَمِعتُ صوتًا في السَّحابِ الَّذي هذا ماؤُه يقولُ: اسْقِ حَديقَةَ فلانٍ؛ لاسمِك، فما تَصنعُ فيها؟ قال: أمَّا إذْ قُلتَ هذا، فإنِّي أنظُرُ إلى ما يَخرُجُ منها، فأتصَدَّقُ بثُلُثِه، وآكُلُ أنا وعيالي ثُلُثًا، وأرُدُّ فيها ثُلثَه". هذا الحديث يجعل الروح تمتلئ أملاً ورجاء، فتأمل هذا الحديث جيداً، وانظر إليه بعين العبد المزري على نفسه الطامع فيما عند مولاه.
هذا هو الخالق الرازق، يختص برحمته عبداً من عباده، أنعم عليه بحديقة، فلم ينس فضل الله عليه، فقام بحقها، فرعاها، ولم يبخل على المحتاج، ولا على أهله، ولا على نفسه، فأرسل الله له سحابة خاصة بملك خاص يسوقها إلى حديقته لتسقيها من بين سائر الحدائق والناس.
هذا الرجل مجهول عندنا، وحتى نبينا صلى الله عليه وآله لم يسمه لنا، لكن اسمه كان معلناً في السماء العليا، بأمر ملك الملوك، إذ أصدر أمره الذي لا يرد ولا يبدل: اسق حديقة فلان. من فلان؟ ماذا فعل فلان، حتى يختصه رب الناس ومليكهم بذكر اسمه ويفيض عليه من فضله؟
وهنا همسة في آذان المشاهير: هذه هي الشهرة الحقيقة، التي ينبغي أن نحرص عليها، ونتنافس فيها، ونسعى إليها!
وهمسة في أذنك أيها المغمور الذي لا يدرى عنك، ولا يأبه بك، ولا يعرفك إلا أهلك والمقربون، اسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألَا أُخبِرُكم بأهلِ الجنَّةِ؟ كلُّ ضَعيفٍ مُتضعِّفٍ، لو أقسَم على اللهِ لأَبرَّه".
وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: كَسَرَتِ الرُّبَيِّعُ ، وهي عمَّةُ أنسِ بنِ مالكٍ ، ثَنِيَّةَ جاريةٍ منَ الأنصارِ، فطلَب القومُ القِصاصَ، فأتَوُا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأمَر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالقِصاصِ، فقال أنسُ بنُ النَّضرِ، عَمُّ أنسِ بنِ مالكٍ: لا واللهِ لا تُكسَرُ سِنُّها يا رسولَ اللهِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (يا أنسُ، كتابُ اللهِ القِصاصُ). فرَضي القومُ وقَبِلوا الأَرْشَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّ من عبادِ اللهِ مَن لو أقسَم على اللهِ لأبَرَّه". هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1905444]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]