عندما بدأ العالم يعيش المراحل الأولى من ثورة التواصل الاجتماعي، كان هناك جدل كبير حول ما إذا كانت المنصات الجديدة ستزيح السلطة الرابعة عن عرشها، الكثير من الخبراء والمحللين حذروا بأن على وسائل الإعلام التقليدية أن تتماهى مع التغير الجديد وتحاول التأقلم والاستجابة للأمر الواقع إذا أرادت أن تستمر أو على الأقل أن تصارع من أجل البقاء.
كان هذا من قرابة العقدين، واليوم أثبتت تلك التنبؤات صحتها، ورغم أنها لم ترسم بدقة شكل مستقبل الإعلام، إلا أن ما وقع بالفعل هو أن العديد من اللاعبين الجدد تناهشوا حصة الوسائل التقليدية بل وأخذوا النصيب الأكبر منها، وهو ما اضطر الكثير ممن امتهنوا هذه الصناعة أن يخرجوا منها أو أن يتحولوا بدورهم إلى وسائل إعلام صغيرة يصنعون القصص عبر هواتفهم المحمولة.
التغيرات التي حدثت في عالم الاتصال سريعة جداً، ومستعصية على الاستقراء والتنبؤ الدقيق، وحقيقة لا يوجد الكثير من الأعمال التي تصف بدقة الصناعة الإعلامية في العقود المقبلة، إلا أن تقريراً رائعاً أصدرته شركة أريكسون تحت عنوان "مستقبل الصحافة في مجتمع شبكي" ربما يكون من أفضل التحليلات التي تناولت مستقبل الإعلام.
التقرير تحدث عن الأخطاء التي ارتكبتها بعض المؤسسات الصحفية الكبرى نتيجة التخبط في معرفة ما يمكن أن تؤول إليه العملية الاتصالية بعد ثورة منصات التدوين، وسائل الإعلام تباينت في ردود أفعالها حول التغيرات الجديدة في هذه الصناعة، الكثير منهم اضطر إلى التوقف (في الولايات المتحدة خرجت أكثر من 300 صحيفة من السوق منذ عام 1990) ومن تبقى منهم أصبح يخوض حرباً وجودية، القلة فقط هي التي فهمت قواعد اللعبة وما زالت تحافظ على حصة تمكنها من البقاء.
تقرير أريكسون على عكس المتوقع يعد بمستقبل مشرق للإعلام، خصوصاً وأنه حقل خصب للإبداع والازدهار بشرط أن يتاح للاعبين فيه فهم الأدوات الجديدة ومتطلبات السوق، والخروج عن المألوف في الطرح، إذ ما زال المتلقي يبحث عن المعلومة الدقيقة والخبر الحصري والتحليل الاحترافي، وهذه العناصر لا تستطيع وسائل التواصل الحديثة توفيرها؛ خصوصاً وأن المصداقية فيها تكاد أن تنعدم بسبب كثرة الأخبار المزيفة.
التقرير تناول العديد من الملامح الجميلة لمستقبل هذه الصناعة العريقة، مثل الصحفي الروبوت واستخدام الواقع الافتراضي في عرض الأخبار والقصص، والصحافة التجريبية، والذكية والصحفي المواطن، والمنظمات الإعلامية الرشيقة والصغيرة وغيرها، وربما أتناول بعضاً من هذه الملامح في المقالات المقبلة.




http://www.alriyadh.com/1907114]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]