عالم الاجتماع الحضري، والأستاذ في قسم الاجتماع والأنثربولوجي بجامعة غرب فلوريدا "راي اولدنبيرغ" الذي ذاع صيته من خلال كتاباته عن أهمية الأماكن العامة في مجتمع المدينة، والتي من أشهرها مؤلفيه (Celebrating The Third Place) و(The Great Good Place) هو من ينسب له أطلاق مصطلح (المكان الثالث) على الفضاء والمحيط العام.. المقاهي، المطاعم، المراكز الرياضية.. ونحوها، التي تيح اللقاء المباشر والعفوي بين الناس دون تمييز بين طبقاتهم أو فئاتهم في المجتمع، يمنح مرتاديه الراحة التي تشبه راحة منازلهم ويشعرهم بالاحتواء ويوفر لهم البيئة الدافئة التي تجعلهم يسعدون بما يمضونه من وقت ضمن أجواء هذه الفضاءات بتبادل الاحاديث والآراء والحوار ضمن إطار محيطهم الاجتماعي العام، بعيداً عن المنزل (المكان الأول) والعمل (المكان الثاني). حيث يرى "اولدنبورغ" أنه من أجل حياة اجتماعية صحية يجب أن يعيش الناس في توازن بين هذه الفضاءات الثلاث: المسكن، ومقر العمل، والأماكن الاجتماعية العامة.
مدننا في الواقع على درجات متفاوتة في امتلاك حصتها من فضاء (المكان الثالث) فهي ما بين مدن غالباً ما يطغى فضاء العمل والسكن على بيئتها الحضرية، كما هو الحال في بعض مدننا الصناعية التي في تصوري أن محدودية هذا الحيز في حياة مجتمعاتها هو السبب الأول وراء ضعف نموها السكاني، وما بين مدن كبرى استطاعت أن تقطع شوطاً كبيراً -وإن لم يكن كافياً- في تنمية فضاءات هذا (المكان الثالث) وأن توسع من دائرة توزيعها في المدينة، سواء عبر المراكز التجارية الكبرى، أو تطوير واجهاتها البحرية والرفع من مستوى الأنشطة الخدمية والترفيهية على شواطئ المدن الساحلية منها، أو تحسين مسارات المشاة على بعض الشوارع الرئيسة الأمر الذي أوجد المناخ لانتشار كثير من المقاهي والمطاعم الراقية على جانبيها.
التعامل مع الفضاءات العامة في هذه المدن الكبرى فيما يتعلق بتنمية دور (المكان الثالث) في حياة سكان هذه المدن والزائرين لها من اجل الاستمتاع بهذه الفضاءات تتقاسم العناية به مؤسستان: الأولى تعنى بصناعة هذا (المكان الثالث) وتطويره، وهو الغاية والمطلوب. بينما المؤسسة الأخرى تعنى فقط بهذا الفضاء العام من أجل ان يستضيف حدث موسمي ينتهي بانقضاء دورته الزمنية، وهو أمر لا بأس به.. !! لكن حبذا لو تطورت العناية بهذا الفضاء العام ليس من اجل صناعة هذا الحدث الموسمي فقط، وإنما إلى صناعة دائمة للمكان المستضيف لهذا الحدث.




http://www.alriyadh.com/1908163]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]