«الوطن» ليس كلمة عابرة تُقال، أو إحساساً وقتياً يُعبر عنه، وإنما عقيدة تؤمن بها القلوب والعقول قبل الأحاسيس، ومشاعر صادقة وعميقة تُعبر عنها السلوكيات والممارسات، وعمل صادق يخدم المصلحة العامة للمجتمع، ووفاء وإخلاص وطاعة كاملة لولي الأمر..
اجتهد المُجتهدون لتعريف كلمة "الوطن"؛ فذهبت تعريفاتهم باتجاهات عدة، فمنهم من عرفها لغوياً، ومنهم من عرفها اصطلاحياً، وهناك من عرفها تعريفاً وصفياً، وكذلك هناك من عرفها تعريفاً مكانياً سواءً من حيث الإقامة أو الميلاد. وبالإضافة لهذه الاجتهادات اللغوية الهادفة لتعريف كلمة "الوطن" تعريفاً علمياً يُساهم في تحديد المعنى الحقيقي لكلمة "وطن"، هناك اجتهادات عامة لتعريف كلمة "الوطن" يقوم أساسها على اجتهادات شخصية غير علمية يَغلُب عليها الانطباعات الشخصية، والأهواء الخاصة، والرغبات الذاتية، بحيث يكون "الوطن" وطناً لهذه الشخصيات أو الفئة إذا تمكنت من تحقيق أو الوصول لملذاتها ومنافعها ومصالحها الشخصية على حساب المنفعة والمصلحة العامة. فإذا أقررنا -عموماً- بإيجابية الاجتهادات اللغوية لتعريف كلمة "الوطن"، وبسلبية الاجتهادات الشخصية لتعريف كلمة "الوطن"، فإننا عند الحديث عن "وطننا" -المملكة العربية السعودية- نرى بأن هذه الاجتهادات اللغوية الإيجابية ستكون قاصرة حقيقةً عن تعريف كلمة "الوطن" في حالة المملكة، وكذلك ستكون تلك الاجتهادات الشخصية ظالمة جداً عند استخدامها لتعريف أو توصيف كلمة "الوطن" في حال كان المقصود المملكة. فإذا كانت الاجتهادات اللغوية قاصرة، والاجتهادات الشخصية ظالمة جداً لتعريف كلمة "الوطن" في حال كان المقصود المملكة، إذاً، كيف يمكن أن تُعرف كلمة "الوطن" في هذه الحالة؟.
نعم، إذا كانت كلمة "الوطن" يتساوى استخدامها وتعريفها عند الإشارة إلى أية مجتمع أو دولة، فإنها في حالة المملكة العربية السعودية ستكون قاصرةً حقيقةً عن تِبيَانِ المعنى الحقيقي لكملة "الوطن" كما هي عليه المملكة حقيقةً، وكما يشعر بها أبناء المملكة الكِرام، وذلك على الرغم من إيجابية الاجتهادات اللغوية التي تضمنتها تلك التعريفات. نعم، إن شعور وإحساس أبناء المملكة بكلمة "الوطن" يتجاوز جميع المعاني التي تعرفها شعوب الأرض، وأكثر عُمقاً من جميع التفسيرات التي احتوتها تلك التعريفات لكلمة "الوطن".
إن "الوطن" -الذي يعيش في وِجدان جميع أبناء المملكة الأوفياء ويجعله منفرداً عن غيره من الأوطان- يتمثل في أنه موطن الإسلام الأول، ومهبط الوحي العظيم، وأرض الرسالة المحمدية الخالدة، ومُنطلق الدعوة الإسلامية الدائم لنور الهدى والعدل والوسطية، وأرض الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين حتى قيام الساعة، ويضم في ثراه الطاهر خير البشرية وصحبه الكرام. و"الوطن" -الذي يستشعر عظمته جميع أبناء المملكة المخلصين ويجعله مميزاً عن غيره من الأوطان- يتمثل في أن مؤسسه وباني نهضته الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- جعل رايته الخالدة تحمل شهادة التوحيد -لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله-، ودستوره الوحيد القرآن الكريم وسنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأساس نظامه العدل والأمانة والشورى والمساواة. و"الوطن" -الذي يعرفه حقيقة جميع أبناء المملكة ويجعله متفرداً عن غيره من الأوطان- يتمثل في أنه طاهر لم يتلوث ترابه الطاهر ولم تُدنس أرضه المقدسة على مدى التاريخ بنجاسات قوى الاحتلال والاستعمار، ومُجتمعه نقي، وثقافته صافية، وقيمه ومبادئه ثابتة لم تتغير ولم تتحول على مدى التاريخ. و"الوطن" -الذي يوجد في قلب وعقل ووجدان جميع أبناء المملكة، ويبذلون أرواحهم للذود عنه- يتمثل بالعزة العظيمة التي وفرها لأبناء المملكة بين الأمم، وبالخدمات العظيمة التي وفرها وسخرها لأبناء المملكة في الداخل والخارج، وبالتنمية والتطوير والتحديث التي يعمل عليها ليل نهار، ويُبذل لأجلها كل ما تملك الدولة، لأجل عزة ورفاه وراحة المواطن، والارتقاء بالوطن لمصاف دول العالم المتقدم والصناعي. و"الوطن" -الذي تعلقت قلوب جميع أبناء المملكة بحُبه حباً شديداً حتى توارثته الأجيال- يتمثل في أنه موطن الأمن والأمان العظيم الذي يستمتع به كل من يعيش فوق ترابه الطاهر، ونموذج لوحدة وصلابة الصف الاجتماعي، ونموذج للسلم والاستقرار السياسي، وموطن للحكمة والعزم والحزم التي عُرف بها ملوك وقادة المملكة الكِرام. و"الوطن" -الذي تراه أعين وقلوب وعقول جميع أبناء المملكة ويتطلعون لرؤيته عالياً مميزاً بين الأوطان- يتمثل في أنه وطن الرؤية الطموحة الهادفة لجعل الوطن متقدماً صناعياً وتقنياً وتكنولوجياً، وأنه وطن الأحلام الواقعية التي تؤمن بالمستقبل ولا تعرف المستحيل، وأنه وطن القيادة الشابة والطموحة التي يمثلها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-.
"الوطن" -بالنسبة لأبناء المملكة الأوفياء المخلصين- كلمة عظيمة، تُبذل لأجلها الأنفس والأرواح، وشعور عظيم بالعزة والكرامة والتفوق والتقدم، وتميز عظيم بوحدة الصف والكلمة والروح، وتفرد عظيم بسمو القيم والمبادئ الإسلامية، ونقاء العادات والتقاليد العربية الأصيلة، والأرض الطاهرة التي يطمئنون فوق ترابها وتحت سمائها، والقيادة العظيمة التي تميزت بالحكمة والحلم والعزم والحزم. نعم، إن "الوطن" ليس كلمة عابرة تُقال، أو إحساساً وقتياً يُعبر عنه، وإنما عقيدة تؤمن بها القلوب والعقول قبل الأحاسيس، ومشاعر صادقة وعميقة تُعبر عنها السلوكيات والممارسات، وعمل صادق يخدم المصلحة العامة للمجتمع، ووفاء وإخلاص وطاعة كاملة لولي الأمر.
وفي الختام من الأهمية القول: إن كلمة "الوطنية" -المُنبثقة من كلمة "وطن"- ليست إلا وصفاً لكل من يُخلص ويُحب ويُدافع ويُضحي بروحه ونفسه وماله ووقته للذود عن كرامة وعزة وحدود وطنه، وإشارةً لكل صاحب سيرةٍ مديدةٍ عُرف خلالها بالثبات والصلابة ووحدة الرأي في الدفاع عن وطنه في جميع المواقف والظروف والأحوال، وتعبيراً مُشرفاً لأصحاب الوفاء والإخلاص لوطنهم وقادتهم وولاة أمرهم. نعم، إنها "الوطنية" الصادقة التي تمنح الشرف والسيرة العطرة لأصحابها لتتوارثها الأجيال، أما من خسرها فقد خسر نفسه، وورث العار لمن بعده.




http://www.alriyadh.com/1908605]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]