إن أعداء الأمة العربية يؤمنون إيماناً يقينياً بأن العرب -إن لم يتم إيقاف وتعطيل حركتهم- قد يتمكنون من إعادة أمجادهم التاريخية، والتأثير المُباشر في حركة السياسة الدولية، وتهديد أمن واستقرار دولهم بعودة العرب كقوة دولية مؤثرة أو عالمية النفوذ..
قبل "دولة المدينة" التي أسسها رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وقادها من بعده الخلفاء الراشدون -رضي الله عنهم-، لم يكن للعرب شأن في السياسة الدولية، وإنما اقتصرت اهتماماتهم على شؤونهم المحلية البسيطة ضمن مناطقهم الجغرافية التي يقيمون فيها. إلا أن هذه الحال تغيرت وتبدلت جذرياً بعد أن تأسست "دولة المدينة" لتتغير معها نظرة العرب للحياة بشكل عام، وللحياة السياسية وشؤونها بشكل خاص، فبعد أن كان العرب على هامش السياسة الدولية، وغائبون تماماً عن التأثير في حركتها، أصبحوا -مع مضي السنوات والعقود- قادة للعالم وموجهين للسياسة الدولية بعد أن دانت الأرض لسلطتهم، وخضعت الإمبراطوريات شرقاً وغرباً لقوتهم، كنتيجة لعظمة إنجازاتهم وتقدمهم في المجالات العلمية والفكرية والصناعية والعسكرية، وبعد سبعة قرون من قيادة السياسة الدولية، فقد العرب مكانتهم في السياسة الدولية عندما احتل أرضهم وسيطر على مقدراتهم الأتراك العثمانيون تحت شعار الخلافة الإسلامية، ومُنذُ تلك اللحظة وعلى مدى ستة عقود، سعى الأتراك بكل الطرق والوسائل والسلوكيات والممارسات لتدمير الهوية العربية، وطمس الموروث والثقافة العربية، وتدمير البنية التحتية في المناطق العربية، وتجهيل الإنسان العربي، ومنح الأراضي العربية في القدس وفلسطين للمهاجرين اليهود، والتنازل عن مناطق عربية شاسعة لقوى الاحتلال والاستعمار الأوروبية، لقد ارتكب الأتراك وحلفاؤهم وأعوانهم من المُحتلين -على مدى ستة قرون- جرائم عظيمة بحق العرب وبموروثهم وثقافتهم بغرض القضاء تماماً على كل ما هو عربي لضمان عدم نهضتهم مُجدداً، وعدم عودتهم للحياة السياسية مهما كان في المستقبل. إلا أن تجذر الثقافة العربية والإسلامية وعمادها القرآن الكريم، وأصالة الثقافة والعادات والتقاليد العربية، وفروسية وشجاعة وأصالة أبناء الأمة العربية على امتداد الوطن العربي، مكَّنَ الأمة العربية من أن تتجاوز تلك الجرائم العظيمة -التي مُورست عليها على مدى ستة قرون- لِتَقِف مُجدداً مقاومة للاستعمار والاحتلال الأجنبي، ولتقيم دولاً مُستقلة على أساس الهوية العربية، نعم، لقد عاد العربُ تدريجياً للساحة الدولية وإن كانوا دولاً وليسوا دولة، وعادت الثقافة العربية وإن تأثر جزاء يسير بثقافة الاستعمار والاحتلال، وعاد الإنسان العربي فخوراً بتاريخه وبعروبته وأصالة ثقافته وعاداته وتقاليده، إلا أن هذه العودة العربية السريعة للتفاعلات الدولية أقلقت أعداءهم التاريخيين المُحيطين بالمناطق العربية، وأزعجت قوى الاستعمار والاحتلال المتطلعين للهيمنة العالمية ومواصلة سرقتهم ونهبهم لثروات ومقدرات وخيرات الشعوب والمجتمعات البسيطة والمسالمة، جعلت هؤلاء الأعداء جميعاً يعودون مُجدداً لاستهداف الأمة العربية في لغتها وثقافتها، ويسعون جاهدين لزعزعة أمنها واستقرارها، وبث الفتنة بين أبنائها، فإذا كانت حالة العداء والحقد هذه ظاهرة وبينة تجاه العرب وتجاه كل ما هو عربي في الماضي البعيد والقريب وفي الحاضر الذي نعيشه، فماذا يُراد للعرب؟ إن المتابع لحركة السياسة الدولية وتفاعلاتها في المنطقة العربية خلال السنوات القليلة الماضية يُدرك تماماً أن هُناك مُخططات إجرامية هدفها القضاء على الهوية العربية، وزعزعة أمن وسلم واستقرار المجتمعات والدول العربية، واحتلال الأراضي العربية بشكل مباشر أو غير مباشر، إن أعداء الأمة العربية يؤمنون إيماناً يقينياً بأن العرب -إن لم يتم إيقاف وتعطيل حركتهم- قد يتمكنون من إعادة أمجادهم التاريخية، والتأثير المُباشر في حركة السياسة الدولية، وتهديد أمن واستقرار دولهم بعودة العرب كقوة دولية مؤثرة أو عالمية النفوذ، ولإيقاف وتعطيل أي مؤشرات لنهضة عربية، فإن أعداء العرب يعملون باستمرار لضمان بقاء العرب أمة ضعيفة مفككة، ومجتمعات فقيرة وهشة، ودولا غير مستقرة.
إن الذي يُراد للعرب هو أن لا يكونوا عرباً من خلال إبعادهم عن أساس هويتهم والمتمثل بالقرآن الكريم من خلال تشكيك الأجيال بمغزى آياته العظيمة ومقاصدها النبيلة، وإبعادهم عن الأسس التي بُنيت عليها قيمهم ومبادئهم الأصيلة التي حفظت عِزتهم وصانت أخلاقهم، وسعيهم لتفتيت المجتمعات العربية على أسس دينية ومذهبية وطائفية وعرقية على حساب الوحدة الوطنية الجامعة، وتجنيدهم لعملاء ومرتزقة ومتطرفين وإرهابيين لبث الفتنة وزرع الفرقة داخل المجتمعات العربية، وتوظيفهم منظمات وهيئات وجمعيات دولية لتشويه صورة الدول العربية أمام الرأي العام العالمي، وسعيهم المتواصل لتشويه صورة قيادات ورموز الوطن العربي لإيقاف نشاطاتهم السياسية وخططهم التنموية، إن أعداء الأمة العربية يتطلعون للقضاء تماماً على كل ما هو عربي بداية من الهوية الجامعة والثقافة الأصيلة، وانتهاء بالاحتلال المباشر للأرض أو من خلال العملاء والخونة والمرتزقة والانهزاميين. وفي الختام من الأهمية القول إن أعداء العرب -القريبين والبعيدين- وحدوا سياساتهم ووجهوا أهدافهم لوقف أو تعطيل أو تشويه أي محاولات أو مشروعات تنموية وتطويرية وتحديثية واقتصادية وصناعية من شأنها أن تقود لنهضة عربية حقيقية تُمكن العرب من التأثير المباشر في السياسية الدولية، إن الذي يُراد للعرب جميعاً هو أن يكونوا تابعين لا مستقلين، ضُعفاء لا أقوياء، مُشتتين غير موحدين، لا آمنين اجتماعياً ولا مستقرين سياسياً، إنها الحقيقة الظاهرة والحرب القائمة التي يجب أن يراها كل العرب لأنهم جميعهم مستهدفون بها وإن ظنوا أو توهموا غير ذلك.




http://www.alriyadh.com/1912592]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]