ما جرى في لبنان أمس -وقد تتفاقم فصوله لاحقاً- كان مآلاً متوقعاً منذ زمن مديد، وكشف الخميس الدامي، أن كل خطابات التحذير من الفتنة وكل النيات الطيبة لبعض الأطراف المستضعفة، لا يمكنها أن تخفي الواقع السياسي (المختطف) في لبنان منذ جريمة اغتيال رفيق الحريري، لذا فإن انفلات الوضع اللبناني الذي بدأت شرارته أمس كان أمراً منتظراً للأسف، فلبنان المتنوع والمتعدد لا يمكن لجماعة أياً كانت أن تنفرد بحكمه أو تستأثر بقراره، ولو بتوظيفها لفائض القوة والسلاح الخارج عن سلطة الدولة، كما لا يمكن لدولة ذات سيادة أن تصبح أداة مسلوبة الإرادة لصالح أجندة خارجية تستخدم مكوناً من لبنان ضد بقية المكونات وشركاء الوطن، بل ضد مصلحة لبنان وعلاقاته.
ما فعله "حزب الله" الخاضع لإرادة إيران خلال الأعوام الماضية كان ببساطة عملية تفكيك مستمرة لبنى "لبنان الطائف" المستقرة والمتوازنة، والتي شكلت صمام أمان للبلد الخارج من حرب أهلية طويلة ودامية، فكان أن عبث "حزب الله" بهذه التركيبة الدقيقة، وأفرغها من مضمونها، وصولاً إلى موقع التحكم التام في تشكيل الحكومات، بدءاً من رأس الحكومة حتى أصغر الحقائب الوزارية، ولم يقف ازدراؤه لفكرة الدولة عند هذا الحد، إذ أدخل لبنان في مغامرات غير محسوبة مع إسرائيل، قبل أن يرتكب جريمته الكبرى ويدخل على خط الثورة السورية، كاشفاً هذه المرة القناع عن طبيعته الطائفية الفاقعة التي كانت تتستر قبلاً بالمقاومة وحجة التوازن مع إسرائيل.
هذا اللعب المحظور على وتر الطائفية واختبار المشاعر والحساسيات المذهبية، وهذا العمل الدؤوب لحزب الله في خلق كل ظروف الاحتقان والانفجار الداخلي، كان لا بد أن يجر لبنان إلى الفتنة ومناخ الحرب الأهلية سيئة الذكر، ولا أحد يود أن يرى لبنان يستعيد هذا الفصل القاتم من تاريخه، غير أنه لا يمكن للبنانيين أن يحلموا بدولة طبيعية مستقرة وثمة مكون لبناني يرى نفسه أكبر من لبنان ذاته.




http://www.alriyadh.com/1912911]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]