أثناء الأزمة المالية العالمية (2008) ذهبت لصالة تداول بنكية كبيرة، كان القلق يخيم على الحضور الشاخصين أمام شاشة الأسهم: العيون مسمّرة والأعصاب متوتّرة والأصوات متأثرة كأنّما تجذبهم الشاشة بسحر هاروت وماروت..
جلست بقرب رجل مسن، تواصل النزول، ارتفع التذمر والتوتر، وضرب أحد الحضور طاولة صغيرة بيده ضربة شديدة، اهتزت الطاولة وانسكبت أكواب الشاي المغلي على بعض الجالسين وعلا الصخب، وأخذ الذي ضرب الطاولة يقوم ويقعد بعنف، بحركات لا شعورية، تبسم الرجل المسن وقال:
(أمّ دحيّم عندها خطّار تشيل القدر وترزح به!) ضحك رجل بجانبه وقال: إيش معنى هذا؟! قال المسن: هذا مثل شعبي قيل في امرأة من الأولين، حين كانت المرأة تذبح وتسلخ وتطبخ إذا جاءهم فجأة ضيوف (خطّار) ونزل على زوج أم دحيّم هذي ضيوف فجأة وصلوا الضحى، فأمرها زوجها بطبخ خروف كامل بعد أن تذبحه هي وتسلخه لأن حضرته سوف يجلس مع خطّاره فقط يهلّي ويرحب ويسامر وعلى المسكينة العبء كله والتعب، وكانت بعد توّها طالعة من النفاس، فأجهدت نفسها في الذبح والسلخ والتقطيع ما معها أحد.. توترت أعصابها وهي تملأ القدر الكبير باللحم في عجلة تخاف تفشّل زوجها عند ضيوفه يطلب الغدا قبل تخلص وكلما شالت الخروف في القدر عجزت فضربت به الأرض غصبًا عنها، ويقولون (جاها بَعَج بعد ..! مسكينة جعل ما جاها تكفير) مثل رفيقنا ضرب الطاولة وبغى يكسر يده وحاس الناس.. الفرق أن أم دحيّم معذورة فالعمل كثير والعبء كبير والوقت قصير وهي تعبانة أصلًا، أما رفيقنا فعنده ملايين، أعرفه، لكن صحيح.. ما على الدنيا مستريح.. لا غني ولا فقير..
نظرت للمسن ورددت (أم دحيّم عندها خطّار تشيل القدر وترزح به) قلت له وأنا أتصور المنظر: هذا كاريكاتير ياشيخ! هز يده وقال: نصف الدنيا كاريكاتير!
ومراقبة شاشة الأسهم باستمرار تولّد، حتى في السوق الصاعدة، حالة من التوتر والتوفز والخفقان قد تصيب أصحابها مع الزمن بأمراض الضغط والسكر والقولون العصبي فضلًا عن ضعف القدرة على اتخاذ القرار السليم.




http://www.alriyadh.com/1912945]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]