كما ذكرت في المقال السابق، فإن مأزق البرمجيات يتلخص في أمرين: ترجمة المتطلبات وصعوبة التغيير. وكل مشكلة لها حلول تخصها، وباحثون ومبتكرون يختبرونها ويجدون بدائل لها، لكن التقدم ضعيف إذا قورن بالمجالات الأخرى. لكن لماذا تتخلف البرمجيات عن إحراز قفزات نوعية كما في صناعة المعالجات الإلكترونية مثلاً؟ لاشك أن البرمجيات حديثة نسبياً، وربما تحتاج وقتاً أطول لتتحول، لكن المشكلات لا تحل كلها بالوقت. فلماذا من المتوقع أن تستمر البرمجيات في اجترار أساليبها مدة طويلة؟
إذا قورنت صناعة البرمجيات بغيرها، وجدنا أن العمل المشترك والفردي يشتركان في الإنتاج في تفرد قلّ مثيله. ففي صناعة المعالجات، يصعب أن يقوم بها أفراد بمعدات بدائية من غرفة البيت، كما يفعل المبرمجون اليوم، وهم ما زالوا في الثانوية العامة. فسر نجاح البرمجيات وانتشارها هو سهولة تعلمها وتطبيقها، وسر عجز البرمجيات عن التطور هو سهولة تعلمها وتطبيقها أيضاً. الانتشار الكبير للبرمجيات في مجتمعاتنا اليوم تسبب في صعوبة الانتقال من المنهج القديم إلى أي منهج جديد، لما يمثله هذا الانتشار من قيمة اقتصادية تجذب إليها صناعة النشر ومؤسسات التدريب والجامعات والشركات. فإذا حاولت شركة تبني منهج جديد ستجد صعوبة في استقطاب المؤهلين لتنفيذ هذا المنهج، ما يرفع كلفة التطوير ويهدد فرص النمو.
إذا كان السبب الأول اجتماعياً، فالسبب الآخر اقتصادي. فإذا كان المنهج الجديد صعب التطبيق نتيجة للعامل الاجتماعي، فتستطيع الشركات الكبيرة تحمل المخاطر لتحصيل الفوائد المرجوة. كما لدى الشركات الكبيرة القدرة على التدريب والتأهيل الذاتي بما يغنيها عن الاعتماد على مؤسسات التدريب المهني والأكاديمي. إنما حين تدخل شركة ما في مخاطرة بتبنيها منهجاً جديداً فإنها على الأرجح ستعمل على التكتم قدر ما تستطيع للمحافظة على نجاحاتها التي تمنحها ميزة تنافسية. وكلما كانت التقنية متفردة أو المنهج قوياً، زادت لدى الشركة الرغبة في إخفاء سر الصناعة، بل ربما سرها وجود مقاومة اجتماعية لمنهجها الذي يدر إنتاجية وأرباحاً.
السببان اللذان ذكرتهما لا يعملان منفصلين، بل بينهما تقاطع وتمازج بنسب متفاوتة. كما أن هناك عوامل أخرى تناولها باحثون حول سبب تأخر بعض الابتكارات وعدم نجاحها لأسباب تتعلق بالابتكار نفسه أو بيئته. ولا يوجد أشهر من ابتكار (فأرة الحاسب) الذي ظل في معامل شركة زيروكس لم تدرك قيمته حتى اطلع عليه ستيف جوبز مصادفة في زيارة للشركة. إنما يظل العامل الاجتماعي وعامل المنافسة عاملين مهمين؛ لأن مناهج تطوير البرمجيات لا ترى كغيرها، ما يسمح لها العمل في الخفاء.




http://www.alriyadh.com/1913239]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]