العنوان يشتمل على مفهومين اقتصاديين هما: اقتصاد المعرفة ومزيج الطاقة، وكلاهما يُعدَّان من الموضوعات الاقتصادية ذات التوجهات الفكرية والمعرفية الحديثة ويحتاج كل منهما لتعريف خاص به لتبرير البحث فيهما والدمج بينهما بما تسمح به المساحة المتاحة لهذا المقال، فاقتصاد المعرفة (Knowledge Economy) يقصد به اقتصاد جديد يتطور بسرعة وعلى نطاق واسع وتتنوَّع خصائصه وتتجذر مبادؤه كأحد أهم المعايير الأساسية المحددة لنمو الدول وتطورها وتقدمها في هذا المجال، وأصبح كثير من الدول مثل أمريكا وألمانيا ودول اسكندنافيا واليابان والصين وكوريا الجنوبية والهند دولاً رائدة في هذا المجال بحيث بات يشكل قوة اقتصادية متمكنة في عصرنا الحاضر والذي يتصف بانخفاض تكلفته الإنتاجية مع تراكم أرباحه الهائلة مع مرور الوقت مقارنة بالأفرع الاقتصادية الأخرى التي قد تنخفض تكلفتها الإنتاجية فتنخفض أرباحها لاكتفاء السوق منها تبعًا لذلك بعد فترة من الزمن.
لقد انبثق مفهوم الاقتصاد المعرفي إثر ثورة المعلومات المتمثلة في عمليات الرقمنة وتقنية المعلومات والذكاء الاصطناعي وذكاء الآلة والذي يُعـدُّ المحرك الفاعل والموجِّه لعصر المعرفة، لذا فإن الجزء الأعظم من المستجدات والابتكارات المستقبلية التي تدفع للنمو الاقتصادي التي يشارك بها الأفراد سواءً كانوا مستهلكين أم مقدمي خدمات، ستكون ذات أهمية خاصة من حيث إيجاد مناخ أفضل من أجل الإنتاجية وخلق فرص لسوق العمل وإنعاش النمو الاقتصادي وتحسين جودة الحياة حيث يمكن تحقيق ذلك من خلال تطبيق التقدم الهائل في تقنية المعلومات والتواصل عن بُعد والرقمنة والذكاء الاصطناعي لمعالجة مشكلات سوق العمل وتوفير متطلبات المجتمع في مجالات الصناعة والتعليم والطرق والرعاية الصحية والتمويل ووسائل الإعلام. ولا شك أن الاستثمار في أسواق تقنية المعلومات والبرمجيات الحاسوبية والذكاء الاصطناعي سيكون جوهر الاقتصاد القائم على المعرفة. وعليه فإن المعرفة انبثق عنها اقتصاد يحقق التنمية المستدامة في ظل تبادل الموارد الفاعلة والإمكانات المتاحة. لذا نستطيع أن نقول إن الاقتصاد المعرفي أضحى واقعًا جديدًا بات ينمو بمعدلات سريعة تفوق معدلات الاقتصادات الأخرى كافة وبشكل غير مسبوق، سواءً من حيث الكمية المحسوسة أم من جانب النوعية الملموسة، وإن كانت معالمه ملموسة ومقاسة في الدول المتقدمة، فإن قصور مدى الرؤية في الدول الأقل نموّا قد يحد من الإفادة من الخدمات المعلوماتية الثرية والتطبيقات التقنية المتطورة في تطوير العقل البشري وتوظيف البحث العلمي لإحداث مجموعة من التغييرات الإستراتيجية في طبيعة المحيط الاقتصادي وتنظيمه ليصبح أكثر استجابة وانسجامًا مع تحديات العولمة وتقنية المعلومات وثورة الاتصالات وعالمية المعرفة واستدامة التنمية.
وبعد هذه المقدمة عن تعريف اقتصاد المعرفة آن لنا أن نعرف كيف يتسنى لنا أن نوظفه في مفهوم الطاقة وبالتحديد الطاقة الكهربائية والتي تمثل لنا المحرك الأساس لأعمالنا وأنشطتنا والتي لا نستطيع أن نستغني عنها أو نتصور أن نعيش بدونها ولو للحظة واحدة، حيث أضحت حياتنا مرتبطة ارتباطا وثيقًا بالطاقة الكهربائية حتى أن جُلَّ الدراسات التي تُعني بتقدير استهلاك هذه الطاقة غالبًا ما تعزو نمو الطلب على الطاقة الكهربائية إلى الزيادة المستمرة في عدد السكان وتطور الدخل وتحسن أساليب المعيشة وما يصاحب ذلك عادة من امتداد عمراني وتوسع في البنى الأساسية، لذا أصبح الربط بين هذا التغير الديموغرافي ونمو الطلب على الطاقة الكهربائية له أهميته الاقتصادية والحضارية كمؤشر صادق ومعيار دقيق على مدى النمو والتطور في مجالات التنمية المختلفة، ويتطابق إطار هذا المزيج مع رؤية المملكة 2030 حيث خططت لاستغلال الطاقة الشمسية التي حباها الله بها في هذه البلاد لموقعها الجغرافي المثالي المتميز الفريد، فلنتمعن الآن ماذا يعني مفهوم مزيج الطاقة (Generation Mix) فهو مفهوم اقتصادي ذو مردود مجزٍ وكفاءة عالية وتكاليف منخفضة، وهذا المزيج يتألف عادة من مولدات تعمل على الوقود الأحفوري (التقليدي) مع مولدات تعمل على الطاقة الشمسية (المتجددة) ليعمل هذا المزيج معًا في محطة التوليد، وبدمح هذه الطاقات (التقليدية والمتجددة) في مزيج التوليد سيتمخض عنه انخفاض كبير في التكاليف التشغيلية الأمر الذي يقود حتمًا لتحقيق مزايا اقتصادية متعددة منها على سبيل المثال انخفاض تكاليف التشغيل وبالتالي انخفاض تكاليف الفاتورة على المشترك، كذلك التقليل في نسبة الغازات الكربونية المنبعثة مما يساعد في تنقية الجو وصحة الإنسان، بالإضافة إيضا إلى توفير الوقود الأحفوري (البترول والغاز) القابل للتلاشي والنضوب.
وختاما، ربما لدينا الآن فكرة عن كيفية إعمال الفكر وتوظيف المعرفة فيما يقود للإنتاج الأمثل الذي يلبي حاجاتنا ومتطلباتنا مع الحفظ والإبقاء على مقدراتنا وممتلكاتنا التي أفاء الله بها علينا دونما هدر أو تبذير أو إسراف ولكن بشيء من حسن التدبير والرعاية والاستخدام، عملا بقول الرب تبارك وتعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ‎التوبة: 105، وكذلك قول رسولنا الكريم: "‏إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ".
جامعة الملك سعود




http://www.alriyadh.com/1919939]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]