إن من يعيش بهذه الصفة، قد فصل الدين عن الحياة لكن بشكل آخر/ وبطريقة (شرعية) ظاهرًا، وإن سمى نفسه ما سمى! هو في الحقيقة يرى الدين انغلاقاً وانعزالاً عن المجتمع، يراه كهنوتاً يفرق الناس إلى خاصة وعامة، إلى (رجال دين) وأتباع..
يعرّف بعض السلفيين العلمانية بأنها فصل الدين عن الدولة، ويحاربون هذا المعنى بغير تأمل وتمييز بين الحسن والقبيح والنافع والضار في تفاصيل الأمر.
ولا نشك في أن الدين شامل مكمل وقد قنن حياة المسلم حتى في أخص خصوصياته، في قضائه لحاجته، وفي جماعه لزوجه، وفي سره وجهره.
لكن من نظر في واقع هؤلاء، ورفع عقيرتهم بقولهم "الدين شامل"، وبذلهم جهدهم في تقعيده رأى عجباً! فهم يعزلون الدين عن حياتهم، يصرون على أن يجعلوه في قالب معين لا يخرج عنه، في مظهرهم، وتعاملاتهم، يصرون على لباس مميز وعلى سمت ملحوظ تكلفه، وعلى ألا يختلطوا بمن يسمونهم العامة، ويراقبون، تصرفات المنتسبين إليهم حتى لا يخدشوا نظرة الناس إليهم، ثم يريدون أن يقنعوك بأن هذا هو المنهج الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وسار عليه صحبه الكرام، فإذا ما نظرت في سيرته صلوات الله وسلامه عليه لم تجد ما يزعمون، بل ستجده أيسر ما يكون مع كل صحابته، كثير التبسم، وهؤلاء لا يكادون يبتسمون! ويخالط العامة، ولا يكادون يخالطون، يصححون الرواية عنه بأن الحبشة لعبوا في المسجد أمام ناظريه صلى الله عليه وآله وسلم وبحضور زوجه بل أحب أزواجه إليه، ولم يسقط هيبته، ولا خدش نظرة أصحابه مكتملي التدين إليه! ويحفظون ما في الصحيح "أن الأنصار يحبون اللهو" وهؤلاء بينهم وبين اللهو عداء، وفي غزوتين سابق زوجه، وصح عنه أن أحد أصحابه كان يضحكه، بمعنى أنه كان (كوميدي) في عرفنا الحالي!
يريدون منك -فيما يبدو للناس، حفاظًا على الانتساب- أن تبقى باكياً حزيناً لا أمل لك في الحياة، تنتظر الموت لتلقى الله، ولا شك أن الموت قادم لا محالة لكل نفس مخلوقة، لكن الله ما أمرنا بهذا، قال صالح عليه السلام لقومه: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" ومنَّ الله على عباده بهذا وإنما أنكر عليهم الاستعلاء بهذه المنّة.
ليت أحبابنا يبرزون لنا كيف كانت حياته صلى الله عليه وآله وسلم، ألم يعتل المنبر يوماً حين ذكر عنده أناس يزهدون في الدنيا التي سخرها الله للناس، فمنهم من أخذ على نفسه أن يصوم ولا يفطر، ومنهم من عزم على أن يقوم فلا يرقد، ومنهم من عزم على ألا يتزوج النساء. فكانت تلك القاعدة العظيمة ممن جاء رحمة للعالمين، وسراجاً للمهتدين لكي يقفوا وقفة حازمة أمام المتنطعين الذين أخبر بهلاكهم صلى الله عليه وآله وسلم، فقال مقولته القصيرة بعد أن بين منهجه العام في أنه بشر يقوم ويرقد، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء: (فمن رغب عن سنتي فليس مني).
رأينا في سيرته عليه الصلاة والسلام أن الرجل يدخل مجلسه المبارك فلا يفرق بينه وبين أصحابه، فيسأل: أيكم محمد؟ فما حال من يزعم اتباعه الآن، وهم يروون عنه أنه يجلس حيث انتهى به المجلس، ثم تراهم مميزين بلباسهم، وهيئتهم، ولا يرضون إلا أن يتصدروا المجالس!
هم يروون عنه حثه على مخالطة الناس والصبر على أذاهم ثم يتنزهون عن ذلك، ويروون عنه السماحة والصبر والحلم ثم هم أبعد من يكون عن ذلك!
إن من يعيش بهذه الصفة، قد فصل الدين عن الحياة لكن بشكل آخر/ وبطريقة (شرعية) ظاهرًا، وإن سمى نفسه ما سمى! هو في الحقيقة يرى الدين انغلاقاً وانعزالاً عن المجتمع، يراه كهنوتاً يفرق الناس إلى خاصة وعامة، إلى (رجال دين) وأتباع، وهو في الوقت نفسه يروي الحديث عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1920942]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]