أعرفُ بعض اللبنانيين من فئات اجتماعية مختلفة، وطوائف مختلفة داخل لبنان وخارجه تحترق قلوبهم في اليوم ألف مرة مع احتراق قيمة المواطن في بلادهم قبل احتراقها كأرض مع دوي الانفجارات أو حرائق الغابات..
"سمعت آخر نكتة؟" جملة فقدت أهميتها منذ أن أصبح للنكتة مذاقها المر وقد كانت سابقاً تجعلنا نتهيأ بالابتسامة الصافية قبل الاستماع، أما اليوم فقد اختلفت الحال كثيراً فلو استعرضنا النكتة السياسية حول أوضاع لبنان لوجدناها نكتة تدعو للبكاء الصامت سواء صنعها اللبناني على حاله أو اشترك بها مع غيره بقصد أو دون قصد، فلبنان بعد أن نخرها السوس الإيراني منذ سنوات حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من تطابق مع المفهوم الإيراني للحياة والذي يتلخص بأن يعيش السلاح ويحيا السلاح بكل أنواعه ليبطش قتلاً أو تهديداً لكل من تسول له نفسه أن يحلم بلبنان جديد، فكلما حاول النهوض أسقطته ضربة أخرى.
قالت لي صديقة لبنانية: يوم أن قُتل الحريري عام 2005، قلت لمن حولي: راح لبنان!
وقد صدقت، فمن يومها ما عاد لبنان هو لبنان انتكس فمرض وهو ما زال حينذاك في طور النقاهة وصار يأكل نفسه بنفسه بأيدي بعض أبنائه! وذلك على مرأى ومسمع من الجميع، المواطن المغلوب على أمره ورجل السياسة الذي يخشى أن يكون مصيره كمصير الحريري أو غيره ممن قتلهم الشيطان الإيراني فليس لهم إلا أن يبيعوا لبنان ويقبضوا الثمن ليعيشوا على أرضهم دون نقصان في حاجاتهم الضرورية والكمالية أو لعلهم يجدون مفراً في يوم ما ويعيشون بعيداً بسلام!
أعرف بعض اللبنانيين من فئات اجتماعية مختلفة وطوائف مختلفة داخل لبنان وخارجه تحترق قلوبهم في اليوم ألف مرة مع احتراق قيمة المواطن في بلادهم قبل احتراقها كأرض مع دوي الانفجارات أو حرائق الغابات أو عدم القدرة على إضاءة مصباح في بيوتهم. وأقرأ لمن لا أعرفهم في وسائل التواصل الاجتماعي وهم يعبرون عما يتذوقونه من مرارة المعاناة ومرارة الضحكة عبر ما يلقونه من نكات تسخر من أحوالهم أو ما يكتبه من يوالي حزب الشيطان الذين كذبوا الأكاذيب وصدقوها ومن أكاذيبهم أن لبنان ضحية للآخرين وليس ضحية لحزبهم وأعوانه من الصامتين الخائفين!
قالت إحدى اللبنانيات في تويتر بلهجتها: "لبنان يذكرني بقصة النبي يوسف وكيف أشقاؤه كبوه بالبير". ولا أدري هل تقصد بإخوان يوسف باعة لبنان من اللبنانيين أو تقصد الخليجيين، ولكني سآخذها على المقصد الثاني، لأن الرد جاءها من حساب سعودي باسم حركي فقال: "النبي يوسف ما خبى كبتاغون في راحلة إخوانه!" وهذا الرد المضحك حد المرارة هو نكتة بروح الإدراك الذي جعل السعودي خاصة والخليجي عامة يتفهم رسائل الابتزاز العاطفي على الصعيد الدولي السياسي والشعبي وهو ابتزاز يقوده غالباً الحزب الإيراني في لبنان فتارة بالابتزاز العاطفي من أجل الشعب وأخرى بالسخرية وثالثة بمحاولاتهم البائسة للحط من قدرنا بالتهكم على جذورنا! وما عادت تلك الأساليب تنطلي علينا وبكل المستويات الفكرية مستوى القادة حيث الوضوح والمواقف الحازمة أمام محاولات الاستجداء المستمرة ممن يسمون جزافاً بالقادة اللبنانيين وأيضاً على مستوى الشعب المثقف الفطن الذي تبنى وتفهم مواقف قادته عن وعي وفهم واستيعاب لكل أساليب التلاعب المبطنة، فقد أتحفونا في حساباتهم بالصور التي تقارن بين لبنان والرياض أو دبي أو غيرهما على سبيل الرد المفحم لما يمكن أن يصنعه القائد الحق للأرض والشعب وما يمكن أن يرتكبه القائد المجرم على أرضه وضد شعبه.
فصور أكوام القمامة في شوارع لبنان الكئيب تقابلها صور شوارع الرياض أو دبي المزهوة بجمالها نظافة ورصفاً وإضاءة. صور المواطن اللبناني المقهور حين لا يجد دواء أو طعاما بل لا يجد حتى أمواله التي أودعها في بنوك بلاده مقابل الإنسان الخليجي الذي ينمو ويعمل للمزيد من النمو والتقدم لنفسه ولأرضه كل ذلك في محاولة لإعادة برمجة العقل اللبناني الموالي للحزب فلعله يفيق من غفوة أكاذيبه أو محاولة الانتقاص من الإنسان الخليجي بجذوره البدوية وكانت الردود حينها من الروعة والكثرة ما تعجز هذه الصفحة عن احتوائه.
ويالرغم من أن الإنسان الخليجي الراقي بوعيه يدرك ما يعانيه المواطن اللبناني من نواقص في أهم مقومات الحياة ناهيك عن شبح الخوف الذي يطل برأسه على كل بيت لبناني ليلجمه ويقول له: "عش بالفتات أو مت فأنت لا تهمنا أبداً!" أينقصك الدواء؟ تعلم احتمال الألم، أينقصك الغذاء؟ دبر حالك بما تيسر، أتنقصك الكهرباء؟ تكفيك شمعه فكله يهون من أجل عيون السلطة الإيرانية ورغبتها المجنونة في تمدد الرقعة حتى وإن لم يكن فيها ما يحقق أدنى متطلبات الحياة فذلك الطوفان الأسود الحاقد يجرف كل ما في طريقه داخل إيران وخارجها فقد كانت إيران منذ قيام الجمهورية الخمينية وحتى اليوم وهي تعيش للخراب وتعمل في الخراب وللخراب. ومع حالة الاستسلام اللبنانية صارت النكتة السياسية هناك أكثر مرارة من ذي قبل لأنها بالنسبة للداخل اللبناني ما عادت تعمل فقد تعطل أثرها كما تعطلت الحياة الطبيعية هناك.




http://www.alriyadh.com/1921272]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]