تمر بي كثيراً لحظات من النوستالجيا، حنين للماضي يأخذني لتلك الأيام التي تشرفت فيها بالعمل في جريدة الرياض، تحديداً في الفترات المسائية الوادعة، بعد أن ننهي الطبعة الأولى ونسترخي. بعد أن يتأكد أن كل شيء على ما يرام، يتهادى الكبير تركي السديري متنقلاً بين الأقسام يتبادل الأحاديث القصيرة مع الزملاء. كان ينالني نصيب من تلك الأحاديث المسائية الشيقة التي أستمتع بها كثيراً، خصوصاً أن من يجلس على الطرف الآخر من طاولة مكتبي هو تركي السديري، بكل ما يجسده هذا الاسم من فخامة تاريخية وخبرات وتجارب لا تتكرر. ولطالما ختمت جلستنا بالإلحاح عليه لتوثيق مذكراته كتابة أو حتى تسجيلاً، ويرد «إن شاء الله، يوماً ما».
الأستاذ، بكل أسف، لم يعد بيننا. وبرحيله طويت صفحات طويلة ثرية لشخص استثنائي غير مهنة الصحافة في المملكة ونقلها من وظيفة جانبية للهواة، والمتعاونين، إلى العمل الاحترافي والإعلام الجاد والرصين، كان - رحمه الله - يجيد اكتشاف الصحفيين المبدعين، ويملك قدرة كبيرة على الاستثمار فيهم لسنوات طويلة ونحتهم وتشكيل مسيرتهم ليكونوا صحفيين بارعين في المستقبل.
أبو عبد الله، لم يكن صحفياً لا يشق له غبار وحسب، بل كان إدارياً محنكاً، ومدرسة في الإنسانية، وضليعاً في السياسة. زرت أرشيف الجريدة قبل عدة أعوام، وراجعت مقالاته القديمة؛ كان - رحمه الله - يملك قدرة نادرة على التنقل بين مختلف الفنون والكتابة عنها ببراعة وعلى وجه الخصوص تلك الكتابات الوجدانية التي تأسرك بلغتها ورشاقة عباراتها.
ولهذا كله، أعتقد أن من المهم أن نجمع شتات إرث هذه الشخصية الاستثنائية في سلسلة أعمال تتناول حياته وشخصيته وعمله وإنجازاته، ربما تكون فيلماً وثائقياً وسلسلة كتب، ضمن مشروع تقوم به وزارة الإعلام وفاء لهذا الرجل الذي قدم للصحافة السعودية الكثير. هنالك عدد كبير ممن عايشوا الأستاذ بشكل يومي، وذاكرتهم مازالت غضة بالكثير من المواقف والحكايا والقصص والمرويات عن الراحل الكبير، ومن دون شك لن يترددوا بالمشاركة في عمل توثيقي يتناول شخصاً عظيماً يحتل جزءاً عزيزاً من ذاكرتهم مثل الأستاذ تركي السديري.




http://www.alriyadh.com/1921275]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]