ثروتنا في الحاضر والمستقبل هي الإنسان، وتدريبه وتأهيله يقع على المدارس التي يقضي فيها كل مراحل طفولته التي هي مرحلة التعليم والتدريب وزرع العادات والقيم التي تزيده قوة وثقة بنفسه وقدرة على التواصل والعطاء، وسيكون من الصعب زرع القيم والعادات المفيدة في ما بعد مرحلة الطفولة التي تنتهي بسن الثامنة عشرة..
لا يكفي أن يكون القائد شجاعاً، ولكنه بحاجة إلى صفة مهمة هي الثقة، ثقة بنفسه ليصدر التوجيهات والأوامر حتى في الظروف الصعبة أو الغامضة ويتحمل نتائجها، والثقة التي تجعله يبتلع كبرياءه ويطلب النصيحة والرأي من مساعديه ورؤسائه، والثالثة أن يثق بمن يعمل معه فيعطيه الفرصة ليؤدي واجباته دون خوف أو وجل. الشجاعة والثقة يسيران جنباً إلى جنب، كلاهما يساند الآخر ويعزز فرص النجاح. غياب الشجاعة يعني الخوف والتردد في اتخاذ القرار، وغياب الثقة بالنفس يؤدي إلى الشك وتعطيل العمل وتهميش آراء المرؤسين ظناً منه أن الاستماع لهم ومناقشة آرائهم يقلل من قدرته على اتخاذ القرار. وأخطر ما يصيب القائد هو الغرور، حين يظن أنه دائماً على صواب والويل لمن يخالف رأيه أو ينصحه بغير ما يريد. القائد الذكي حين يرى أن كل من معه يوافقه دائماً في رأيه فعليه أن يراجع أسلوبه معهم، وعليه أن يفكر في الاستغناء عن مساعديه ومستشاريه، ويأتي بشجعان مخلصين يعينوه على أداء مهامه.
القائد الشجاع والواثق من نفسه يعطي رسائل إيجابية لمرؤسيه أساسها الإيمان بقدراتهم، ومنحهم الثقة التي لا غنى عنها لإنجاز المهمة، أما القائد غير الواثق من نفسه فيلجأ إلى التهرب من المسؤولية ووضع اللوم على الآخرين سواء من داخل المؤسسة أو من خارجها، وأمثال هؤلاء القادة هم من يبحثون عن المناصب والترقيات فقط دون التركيز على المهمة الأساس للمؤسسة.
اعتراف القائد بخطئه وتحمل أخطاء من يقودهم لا يفيده في تصحيح الخطأ فقط، لكنه يكسبه احترام رؤسائه ومرؤسيه، بشرط ألا يكون الخطأ متعمداً أو نتيجة إهمال وعدم مراقبة، أما الأخطاء التي تصاحب كل عمل أو محاولات جادة لإنجاز مهمة فستقع لا محالة بين حين وآخر، وهذه الأخطاء هي المعلم الحقيقي للمتدرب، فلا إتقان بلا تدريب يتخلله أخطاء وإخفاقات.
الشجاعة والثقة صفتان مهمتان لكل قائد وخصوصاً في المناصب العليا، وأهم ما يكونا في الحياة العسكرية حيث يقتضي أداء المهمة التعرض للمخاطر الشديدة والمواقف الحازمة واتخاذ القرارات الصعبة، وفي بعض الأحيان يكون الوقت حاسماً ولابد من اتخاذ القرار، وبدون تمتع القائد بهاتين الصفتين يصعب عليه أن يؤدي المهمة.
بظني أن الشجاعة صفة يمنحها الله للإنسان منذ صغره، أما الثقة بالنفس فيجب تنميتها منذ الصغر وبالوسائل الآتية:
أولاً. تبدأ دروس الثقة بالنفس من البيت حيث يشجع الطفل على أداء المهام البسيطة والتي بمقدوره أن يقوم بها، ومكافأته وتشجيعه على ذلك، وهذه المشاركة تشعره بقيمته، وهي بداية زرع الثقة بقدراته. وعلى الوالدين تجنب النقد المستمر للطفل خصوصاً أمام الآخرين، أو مقارنة غيره به كالإخوة والأقارب. ومن أهم أسباب اكتساب الثقة للطفل هي طلب المساعدة من الطفل لوالده في العمل أو المتجر مما ينمي لدى الطفل حب العمل والتعامل مع الآخرين.
ثانياً المدرسة هي أفضل مكان لاكتساب الثقة بالنفس، وفي كل مرّة أرى نقصاً في مهارات الاتصال، أو ممارسة عادة سيئة أعود إلى المدرسة، وأقول بكل صراحة وأسى إن مدارس يقضي فيها الطالب اثنتي عشرة سنة عدا ما قبلها وما بعدها، ومع هذا لا تستطيع أن تزرع عادة جيدة أو تخلصه من عادة مضرة فهي مدارس مقصرة في أداء واجباتها، وكل منهج لا يشمل بناء المهارات وتنمية المواهب بالتطبيق وتفاعل الطالب مع ما يعطى له تعتبر مناهج ناقصة. العادات والمهارات بحاجة إلى تكرار واستمرار وقدوة في البيت والمدرسة. بناء الثقة يكتسبه الطالب من الوقوف على المسرح ومن المشاركة بالكشافة ومن إشراكه في الفصل وإعطائه الفرصة ليدلي برأيه وينتقِد ويُنتقد دون أن يبدي ردود أفعال سلبية. أتمنى أن تتبنى مدارسنا مقولة: "لن تتعلم السباحة من كتاب" فنبتعد قدر المستطاع عن الحفظ والتلقين إلى المشاركة والتجريب. ومن تجربة خاصة أؤكد لكم أنني لم أتعلم الخطابة إلا في الحياة العسكرية ومن الوقوف أمام الطابور والتحدث إلى الطلبة.
ثروتنا في الحاضر والمستقبل هي الإنسان، وتدريبه وتأهيله يقع على المدارس التي يقضي فيها كل مراحل طفولته التي هي مرحلة التعليم والتدريب وزرع العادات والقيم التي تزيده قوة وثقة بنفسه وقدرة على التواصل والعطاء، وسيكون من الصعب زرع القيم والعادات المفيدة في ما بعد مرحلة الطفولة التي تنتهي بسن الثامنة عشرة.




http://www.alriyadh.com/1922044]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]