الوطن ليس بضاعة مزجاة يعبث بها كل متضجر، فيتجه للخروج من ربقة العقد الاجتماعي والقانون المنصوص معللا ذلك بالحرية وقوة الإرادة.
دعا الفلاسفة والنقاد إلى ضرورة العقد الاجتماعي والبقاء تحت رايته، وأكد ديكارت في قواعده الأخلاقية على ضرورة التقيد بعادات المجتمع وتقاليده وعدم السباحة في غير مائه، بل جعل التقيد بعادات المجتمع وتقاليد أهله وقوانينه شرطًا للأخلاق وقاعدة له.
الوطن ليس لعبة للتسلي، ولا مرتعا للمراهقة، بل انتماء ومسؤولية، وأخطأ من قال إن الفلسفة متضادة مع مفهوم الوطن، بل كل الفلاسفة الكبار على مر التاريخ كانوا موالين لأوطانهم، ولو جادل أحد بخروج أحدهم فليس من الفلسفة أن أجعل نفسي تابعا لغيري في أخطائه؛ هذا لو قلنا إنهم كذلك!
جميل أن ينشد الإنسان حريته، لكن قبيح أن يؤصل تمرده بمفاهيم يقول عنها فلسفية وهي محض تمرد وجهل، فالخروج من ربقة المجتمع هو في حقيقته خروج من الضرورة الإنسانية، وقد أكد كانط ومن بعده ميشيل فوكو على أن الثورة ما هي إلا أفكار يبثها مجموعة لم يشتركوا فيها، لكنهم أشعلوها بأحاديثهم عنها، وكان قانونهم كما يقول كانط «القيام بالثورة هو في الحقيقة شيء لا يجب القيام به»، أي: لا يجب أن نقوم بثورة نحن فيها، لكن عملنا أن ندعم فاعلها بالكلام المؤجج له، ونترك المكاسب لنا.
هذا المشهد يتكرر في عصرنا للأسف الشديد، فتجد روح العنف وخطابات الكراهية للأوطان والمجتمعات مبثوثة وكأنها حق لا مرية فيه، وهي عند النظر مجرد مشروعات يتكسب منها مجموعة يعيشون أطيب حياة وأرغدها، فليس من العقل والحكمة أن يبقى الفرد عالقا تحت جهالاتهم وسطوة تطرفهم وينكوي بنيران حقدهم ورغبتهم في السلطة.
ما العمل؟ البقاء تحت راية مؤسسات الدولة، والعمل على تقويتها ودعم جهودها، وزيادة الوعي بضرورة التكاتف المجتمعي الذي يحقق التوازن والاعتدال، والبعد كل البعد عن الآيديولوجيات المتطرفة، وهذا ما دعت إليه الفلسفة منذ الإغريق إلى يومنا المعاصر، منذ جمهورية أفلاطون حتى عدالة مايكل ساندل، وعند تأمل هذا الأمر مع استحضار ما حدث لكثير من المجتمعات عند مخالفته، أظنك ستشاركني القناعة بما قلته لك!




http://www.alriyadh.com/1922036]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]