لماذا أميركا منقسمة إلى هذا الحد؟ هذا السؤال طرحته جامعة جنوب كالفورنيا كمشروع بحثي في محاولة لسبر هذا الهاجس وتحليل جذوره وآثاره. وذات السؤال "Why America Is So Divided" طرحته مجلة تايم وحاولت تشريح الواقع مقترنا بتاريخ الصراعات السياسيّة وما يمكن أنّ يقود إليه هذا التشرذم. وتقرّر المجلّة أنّه لا توجد ديمقراطيّة متقدمة في العالم أكثر انقسامًا سياسيًا، أو "مختلّة سياسيًا"، من الولايات المتحدة اليوم. ثم يتساءل التقرير عن كيف وصلت أقوى دولة في العالم إلى هذه النقطة؟ وتستشهد المجلّة بحالة اقتحام مبنى الكابيتول لتقول: إنّ هذه الحالة ثمرة لثلاث سمات مميزة للمجتمع الأميركي والتي تجاهلها السياسيون لفترة طويلة جدًا، هذه السمات تتضمن الإرث الدائم للعرق (تاريخ مضطرب مع العلاقات بين الأعراق)، والطبيعة المتغيرة للرأسماليّة (سببت حالة من عدم تكافؤ الفرص وزيادة الاعتماديّة على التقنية محل البشر)، وانقسام المشهد الإعلامي (ثورة المنصات الاجتماعيّة).
على الضفة السياسة حصلت متغيرات كبرى خلال الثلاثين عاما الماضية مع تغير ديموغرافيّة سكان أميركا، إذ سرعان ما أصبحت مشاركة ناخبي الأقليّات تشكّل الأغلبيّة، ومع التنافس الحزبي زاد الاحتكاك المتزايد بين الأعراق بشكل فاقم انقسام المجتمع الذي كان يفاخر بأنّه الأكثر تنوعًا. ولهذا أوضح جو بايدن في خطابه الأول كرئيس منتخب، عزمه على سد "الانقسامات العميقة والمريرة في المجتمع الأميركي"، وتعهد بالنظر إلى ما هو أبعد من اللونين الأحمر والأزرق والتخلي عن "الخطاب المحتقن الذي يميز نقاشاتنا السياسيّة".
والراصد للحالة الأميركيّة يرى بوضوح أثر الخلاف (التضاد) الصارخ المتزايد بين الديمقراطيين والجمهوريين حول أسس قوة أميركا وعلاقاتها في قضايا مثل الاقتصاد وإنصاف الأعراق وتغير المناخ وإنفاذ القانون. بل تعدى الأمر إلى الانقسام الحاد حول الحلفاء والشركاء الاستراتيجيين في العالم، وحين احتاجت أميركا مع نشوب الأزمة الأوكرانيّة ملف الحلفاء والأصدقاء في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وجدت أنّ التنافس الحزبي (الانقسام العميق) قد أفقد أميركا كثيرا من الأصدقاء وخفف حماس أغلب الحلفاء.
وفي استطلاع أجرته جامعة مونماوث (Monmouth University) ظهر أنّ ما يقرب من 70 ٪ من الديمقراطيين والجمهوريين يعتقدون أنّ البلاد "منقسمة إلى حد بعيد" بشأن القيم والمعتقدات الأساسيّة، وأنّ "الآراء السلبيّة" للأفراد من الحزبين تجاه آراء الطرف الآخر، وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ نصف قرن تقريبًا، ما هو ظاهر أمام القراءة السطحيّة أنّ هذه انقسامات حزبيّة ولكن قراءة الوقائع تكشف مؤشرات انقسام الأمة الأميركيّة والأخطر أنّها منقسمة على كل قيمها.
قال ومضى:
عجباً يا صديقي: كلما مددت يدي لك عادت كفّي دامية..




http://www.alriyadh.com/1946354]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]