الأشخاص ذوو الإعاقة هم أضعف حلقات المجتمع، وإعطاؤهم حقوقهم بحاجة إلى جهود جبارة ومستمرة ومن أكثر من جهة سواء في القطاع العام أو الخاص، ولم ينجح في تأمين هذه الحقوق سوى الدول المتقدمة والتي بدأت منذ عشرات السنين في سنّ القوانين وتطبيقها، وإيجاد تنظيم قوي يضمن المطالبة والمتابعة، وقطاع ثالث غير ربحي يتولى الكثير من المهام، وإعلام حرّ يتابع ويوضح الخلل إن وجد، والسبيل إلى إصلاحه..
بعد وصوله إلى بريطانيا مبتعثاً من جامعة الإمام، وبصحبة أسرته ومن ضمنها طفلته المعاقة ذات الست سنوات، طرق بابه عدد من الأشخاص، أخبروه أن هدفهم تأمين جميع حقوق ابنته المعاقة، ومنها الوصول الشامل داخل البيت وخارجه، أخبروه أن هذ حق لكل شخص معاق داخل المملكة المتحدة يكفله النظام. يجب أن تتمكن الطفلة المعاقة من الوصول إلى كل مكان داخل البيت وخارجه، لذا سيقومون بتركيب مصعد للدور الأول من البيت بشرط الحصول على تفويض من مالك المنزل، وسيؤمنون عربة مناسبة ومعها مرافقة لإيصالها من وإلى المدرسة يومياً، وسيأخذون الطفلة إلى أماكن الترفيه مرتين في الأسبوع. كل ذلك دون مقابل. وهذا حق لكل معاق داخل الدولة.
يقول ذلك الأب: نفذوا كل ما وعدوا به دون أن أدفع أو تدفع الملحقية جنيهاً واحداً، وتطور أداء ابنتي على مدى السنوات الست التي قضيناها في بريطانيا واعتلت المسرح المدرسي أكثر من مرة، وأتمنى أن أرى ذلك في بلدي، ونحن الأولى بتطبيقه، ونحن قادرون على ذلك بإذن الله. ولن أورد ما ذكره الأب من معاناة بعد عودته من البعثة حتى تواصل الطفلة تعليمها وتفوقها.
تذكرت ذلك قبل أيام وأنا أحضر حفل افتتاح مركز الأمير تركي بن ناصر بن عبدالعزيز للتوحد في جازان. حيث تضافرت الجهود، وخصص أمير المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز أرضاً بمساحة 25000 متر مربع لهذا المركز الذي احتفلنا بإنجاز مرحلته الأولى، والذي سيصبح من أكبر مراكز اكتشاف ومعالجة وتأهيل اضطراب التوحد على مستوى الشرق الأوسط بعد اكتمال مراحله الثلاث. لقد تضافرت الجهود وأسهمت كثير من الجهات الحكومية والقطاع الخاص ومنها شركة سابك ببعض التكاليف. ويعد هذا المركز الفرع الرابع في المملكة لهذا المشروع الخيري الذي بدأ قبل عشرين عاماً في قصر الأمير ناصر بن عبدالعزيز رحمه الله، وبمبادرة كريمة من أبنائه ودعم سخي من الدولة يحفظها الله.
المملكة في مقدمة الدول التي وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الصادرة في عام 2007 والمحتوية على خمسين مادة تشمل كل ما له علاقة بالمعاق وحقوقه كاي شخص سليم. وهذا يستوجب القيام بالخطوات الآتية:
أولاً. تشعب وتعدد الجهات التي لها علاقة بذوي الإعاقة كالتعليم والصحة والمرور والخدمة الاجتماعية والعمل وغيرها يحتم وجود هيئة عامة ترتبط بمجلس الوزراء حتى تستطيع أن تخاطب كل الجهات التي لها علاقة وتجد الدعم المطلوب من الجميع، وهذا سيقضي على ضعف التنسيق القائم بين الجهات الحكومية التي تقدم الخدمة لذوي الإعاقة.
ثانيا. إنشاء المزيد من المراكز التي تهتم بتدريب وتأهيل وعلاج مختلف حالات الإعاقة، وتشجيع القادرين مادياً وأصحاب الأوقاف على المساهمة في تاسيس وبناء وتأثيث المراكز المتخصصة. وقد كان مركز الأمير تركي بن ناصر للتوحد في جازان خير مثال على تكاتف الجهود لرؤية هذا المشروع الحيوي في منطقة هي بأشد الحاجة إليه، ويمتاز هذا المركز أن خدماته تشمل جميع الأعمار ومن الجنسين، بعكس كثير من المراكز في الدول العربية والتي تقدم خدماتها للأطفال من خلال برامج التدخل المبكر فقط، ولا توفر برامجاً لرعاية البالغين ممن لم يستطيعوا الاندماج في مناهج التعليم الخاص أو العام، مما يمثل عبئاً كبيراً على الأسرة والمجتمع، ولا يسهم في تحســن حالتهم.
ثالثا. من أهم أسباب نجاح المشاريع هو قدرة القائمين عليها على التواصل مع الداعمين من الأفراد والمؤسسات، ومن أهم أسباب الحصول على الدعم هو ثقة الداعم بمن سيتولى تنفيذ ومتابعة المشروع، والسبب الثاني هو رؤية المشروع على أرض الواقع، وإبقاء الداعم على علم بجميع تطور مراحل المشروع، ومن الأمثلة الحية على نجاح التواصل مع الداعمين هو ما تقوم به جمعية عنيزة للخدمات الإنسانية حتى أصبحت محافظة عنيزة مثالاً يحتذى ليس على مستوى المملكة فقط، لكن على مستوى العالم العربي، ساعد على ذلك وجود مجلس إدارة لديه القدرة على التواصل والتنفيذ بشكل ممتاز، وبكل شفافية ووضوح.
الأشخاص ذوو الإعاقة هم أضعف حلقات المجتمع، وإعطاؤهم حقوقهم بحاجة إلى جهود جبارة ومستمرة ومن أكثر من جهة سواء في القطاع العام أو الخاص، ولم ينجح في تأمين هذه الحقوق سوى الدول المتقدمة والتي بدأت منذ عشرات السنين في سنّ القوانين وتطبيقها، وإيجاد تنظيم قوي يضمن المطالبة والمتابعة، وقطاع ثالث غير ربحي يتولى الكثير من المهام، وإعلام حرّ يتابع ويوضح الخلل إن وجد، والسبيل إلى إصلاحه.




http://www.alriyadh.com/1950660]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]