وحكيت لي أنه "ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩ رجل كبير ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ ﻟﻴﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻣﺪﻋﻮًﺍ ﻓﻴﻪ، ﺃﺧﺬ ﻋﺼﺎﻩ ﻭأﻣﺴﻚ ﺑﻬﺎ ﻣﻘﻠﻮبة، ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﺗﻮﺍﺯﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺸﻲ ﻏﻴﺮ ﺳﻠﻴﻢ؛ ﻓﺘﻨﺪّﺭ ﺍﻟﺤﻀﻮﺭ عليه ونعتوه بالمتكبر غير المميز ﻓﺮﺩّ الرجل ﺑﻬﺪﻭﺀ: ﺃﻣﺴﻜﺖ ﻋﺼﺎﻱ ﻣﻘﻠﻮﺑﺔ ﻟﻜﻲ ﻻ ﺗﺘﺴﺦ ﺳﺠﺎﺩﺓ ﻣﻨﺰﻟﻜﻢ الثمينة حين رأيت طين ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ عالقا ﻓﻲ طرف ﺍﻟﻌﺼﺎ السفلي".
وذات يوم مررت برجل لم انتبه له جيدا ولكني رأيته يشرب بيده الشمال فمن باب النصح اقتربت منه وأخبرته أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نأكل أو أن نشرب باليد اليسرى فلم انته من كلامي إلا ورأيت ذلك الرجل يرفع عاتقه الأيمن ليتبين لي أنه مقطوع اليد اليمنى.
كم شعرت يومها بالحرج الشديد حتى أني لم أستطع أن أتفوه أو أعتذر بأي كلمة أو أن أبرر ووددت أن الأرض انشقت وابتلعتني.. حين رأيته هادئا دمث الخلق، كان رده في تعابير ملامحه السمحة.
كم هو من المحرج لنا أن نقع في مثل هذه المواقف التي ربما تكون فيها تصرفاتنا وانفعالاتنا أسرع من وضوح الصورة لدينا فتسبق ردود الأفعال لدينا التثبت من حقيقة الأمر، ولربما بسبب ذلك نقع في الحرج مع أنفسنا ومع غيرنا.
كان ذلك مثالا على أننا كثيرا ما نفقد رؤيتنا بعين بصيرة، وتتشتت أمامنا كل معرفتنا ودرايتنا، وتجعلنا بعض المواقف صغارا في أعيننا التي طالما أكبرنا أنفسنا فيها، تعلمت من ذلك الموقف أن ألسنتنا تسبق تفكيرنا غالبا فنضع أنفسنا في أماكن الجهل بذلك.
في حياتنا كم من القرارات التي افتقدنا فيها إلى وضوح الرؤية، وكم تعجلنا في إصدار أحكامنا على كثيرا من الأمور التي واجهتنا وتواجهنا في شتى أمور حياتنا، وكم فقدنا توازننا بضعف تبصرنا في الأشياء، وكم أشعرتنا ثقتنا العمياء في أنفسنا أننا نبصر حتى في الظلام، كم من الأشياء خسرناها بتعجلنا في رد فعلنا الخاطئ بسبب الضباب فيما نرى.
ولو راجعنا يومياتنا فيما نسمع أو نشاهد أو نقرأ لوجدنا الكثير من انعدام الرؤية، ولوجدنا كثيرا من الناس يتخبط في أحاديثه، ويتردد في أقواله كل ذلك بسبب عدم وضوح الرؤية. هذا على مستوى الأشخاص والأفراد فما بالك بمواقف جماعات هنا وهناك فقدت الرؤية الحقيقية واختلفت نظراتها نحو الحقيقة الكامنة وتبدلت لديها مواطن الحق والصدق بتضاريس الجهل والتعجل والافتراء، هكذا يصنع انعدام الرؤية انعدام في التوازن.. وهكذا تصنع الرؤية الحقيقية البينة ثباتا في الرأي والموقف وفي رد الفعل.
ويبقى القول: اتزان القرار من ثبات العقل، وتماسك الفهم لم قد يحصل أمامنا فيجب ألا نبادر بسوء تقدير يقلل من شأن الغير، ولا نستبق ما يحدث برعونة فقد يكون ما يحدث أرقى مما تتصور، وأعمق مما يُظن فعاقبة ذلك قد تكون مؤلمة.




http://www.alriyadh.com/1952659]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]