لطالما تحدثت عن أن الجماعات المتطرفة والإرهابية، وكذلك وسائل الإعلام المغرضة تعمل على صناعة سخط كبير في المجتمعات، وتتخذ هذه الصناعة شكلين مختلفين: الشكل المباشر والشكل غير المباشر الذي يتسلل رويدا رويدا للعقل اللاواعي، وينتج عن هذين الخطابين المنطلقين من هدف واحد والمختلفين في المستوى عملية بناء سخط تراكمية تكبر مع الأيام، وستلجأ لها هذه الجماعات في يوم ما لتطلق شرارة عملية هدم دولها عن طريق ما يسمونه "الثورة".
لقد كانت صناعة السخط هذه وستظل ثابتا من ثوابت استراتيجيات هذه الجماعات لمحاربة أوطانها، ولا أدل على ذلك من مقال "مدارس للسخط" لسيد قطب، والمنشور في مجلة الرسالة المصرية في عددها 691 وبتاريخ 30 / 9 / 1946م. يستفتح سيد قطب مقالته بقوله: "قال لي صاحبي: أما تفتأ هكذا ساخطا على جميع المظاهر والأوضاع؟ أرح أعصابك يا أخي، ودع الخلق للخالق، إنه لا فائدة، لا فائدة من كل هذه الصرخات!! قلت لصاحبي: أما أنا فسأظل ساخطا، أعلن سخطي على كل شائه من المظاهر والأوضاع، ولن أدع الخلق للخالق، لأن الخالق هو الذي يقول: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون)، ويصف قوما ضعفوا واضمحلوا فيقول عن سبب الاضمحلال: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون). وأما أنه لا فائدة هناك، فأنا لست يائسا ولا متشائما، واعتقادي الكامل إن هذا الكون الوسيع لا يضيع صوتا واحدا ينطلق فيه بدعوة الحق، ولا بد أن يردد صدى هذا الصوت في يوم من الأيام، طالت أو قصرت به الأعوام".
فهنا يعلن سيد قطب أنه سيستمر في صناعة السخط ولن يتردد في ذلك، وحتى لو تأخرت نتائج هذه الصناعة القطبية بامتياز فإنه لن ييأس أو يتشاءم فعملية البناء مستمرة وستؤتي نتائجها يوما ما "واعتقادي الكامل إن هذا الكون الوسيع لا يضيع صوتا واحدا ينطلق فيه بدعوة الحق، ولا بد أن يردد صدى هذا الصوت في يوم من الأيام، طالت أو قصرت به الأعوام".
ولم يتوقف الأمر عند السخط الذاتي لسيد قطب، بل نجده يتمنى أن يكون قادراً على بناء ضعف المدارس الحكومية في مصر لا لتعليم المصريين طاعة حكامهم، ولا بناء أوطانهم، ولا حب الحياة وعمارة الأرض كما استخلفهم الله، بل لتعليمهم شيئاً واحداً وهو "السخط". يقول سيد قطب: "وقلت لصاحبي: إنه لو وكل إليّ الأمر لأنشأت ضعف هذه المدارس التي تنشئها الدولة لأعلّم فيها هذا الشعب شيئا واحدا هو السخط! السخط على الأوضاع والمظاهر الشائهة التي تسيطر على حياة هذا الجيل في كل اتجاه، فالسخط هو دليل الحيوية الكامنة، والرضا بهذه الحال المائلة هو نوع من اليأس والتشاؤم يقتل الأمم أو يؤدي بها إلى الاضمحلال".




http://www.alriyadh.com/1956042]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]