تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عن حرص الجماعات المتطرفة والإرهابية، وكذلك وسائل الإعلام المغرضة على صناعة خطاب سخطوي كبير في المجتمعات التي تنشط فيها، والهدف خلق أرضية خصبة لتنفيذ مشروعها الهدام حين تحين ساعة الصفر. وكان هذا الحديث من خلال استعراض مقال سيد قطب "مدارس للسخط" والمنشور في مجلة الرسالة المصرية في عددها 691 وبتاريخ 30 / 9 / 1946م. وانتهينا بقوله: "إنه لو وكل إليّ الأمر لأنشأت ضعف هذه المدارس التي تنشئها الدولة لأعلّم فيها هذا الشعب شيئا واحدا هو السخط! السخط على الأوضاع والمظاهر الشائهة التي تسيطر على حياة هذا الجيل في كل اتجاه، فالسخط هو دليل الحيوية الكامنة، والرضا بهذه الحال المائلة هو نوع من اليأس، والتشاؤم يقتل الأمم أو يؤدي بها إلى الاضمحلال".. وسنواصل اليوم استعراض هذا المقال الخطير.
يستمر سيد قطب في حرصه على هذه المدارس محدداً الفئات التي سيوجه لها خطابه السخطوي وعلى رأسهم الساسة الذين وصفهم بأنهم يعملون بتوجيه من السفارات الأجنبية، وأنهم لا يعملون سوياً إلا بأمرها، أو كما قال: "حتى إذا ارتفعت لهم تلك العصا السحرية، عصا دار الحماية التي هي دار السفارة، أو دار السفارة التي هي دار الحماية". أما مدرسة سيد قطب الثانية للسخط فهي موجهة للسخط على المفكرين وأصحاب الرأي، يقول سيد قطب: "ومدرسة للسخط على أولئك الكتاب والصحفيين، الذين يقال عنهم إنهم قادة الرأي في البلاد، وإنهم آباء الشعب الروحيين".
وسبب نقمته على هذه الشريحة هو تناغمها مع سياسة أوطانها، حيث تشكل عملية التناغم بين السياسي والمثقف في أي دولة معضلة لمشروع جماعة الإخوان، يقول في وصفهم: "أولئك الذين يسخرون أقلامهم وذممهم وضمائرهم لهذا الجيل من الساسة، فيضربون بأقلامهم ذات اليمين وذات الشمال، وينهشون سمعة هذا السياسي أو ذاك، ثم يعودون فيبيضون ما سودوا وقد يقفون مادحين في حفلات تكريم تقام لأولئك الساسة الذين قالوا عنهم من قبل: إنهم مجرمون قذرون منحطون منخوبو الضمائر فاسدو الذمم، لا استصلاح لهم بحال من الأحوال".
ويأتي بعد ذلك دور الوزراء الذين سيخصص لهم سيد قطب مدرسة سخط خاصة لأنهم - كما يقول - يتعهدون بالكثير من الخطط والبرامج الإصلاحية للوصول فقط إلى كرسي الوزارة، وبعد ذلك ينسون كل ما وعدوا به. فهو هنا يتهمهم بالميكافلية والكذب ويريد منهم الخروج عن سياسات دولهم أو أنهم سيكونون عرضه لهذا السخط. يقول عنهم: "ومدرسة للسخط على أولئك الوزراء الذين تطول ألسنتهم وتطول أقلامهم وهم يتطلعون إلى الكرسي المسحور، فتتفتق قرائحهم عن خطط وبرامج للإصلاح الاجتماعي، وللنهضة الفكرية وللقضية الوطنية، ولإصلاح أداة الحكم، ولتطهير الدواوين، ولمكافحة اللجان.. إلى آخر ما تهديهم إليه اللهفة على ذلك الكرسي المسحور، حتى إذا جلسوا في ذلك الكرسي، ند عنهم جميع ما أعدوا من خطط، وما نسقوا من برامج، ونفث فيهم ذلك الكرسي اللعين سحره الذي يُعمي ويصم، ويفسد الذمة، ويكبت الضمير".. وللحديث بقية.




http://www.alriyadh.com/1957316]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]