هناك من العواطف ما يكون كهرومغناطيسيا، هكذا شبهتها لعودها بالضرر على صاحبها وعلى الآخرين، وذلك كتجاوز الحد في المحبة والعاطفة حتى يدخل الضرر على المحبوب من حيث لا يشعر..
العاطفة شيء لا تراه العين، ولكنها تُحدث في صاحبها تأثيرًا لا يخفى على الناظر، بل وقد يكون تأثيرًا يغير من أفعال صاحبها وردات فعله، ولا يختص ذلك بالإنسان، بل حتى بعض الحيوانات لها عواطف إيجابية وسلبية تتحكم في كثير من تصرفاتها، ولعل من أوضح ذلك ما نراه من تعاطف الحيوانات ومعاداتها لبعضها على أيسر الأسباب، فقد يصل الأمر بين مخلوقين من مخلوقات الله إلى العراك المؤدي إلى الفناء، وليس ذلك إلا من تأجيج نفسي لتلك العداوة، وتغذيتها، وفي الحديث: "إن لله مئة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها".
ولا عجب أن ترى تلك العواطف بين بني البشر، فهم الأصل وهم الأولى بها، حتى إن الله جعل في الوالدين منها ما يجعلهما يشعران حقيقة بما أصاب ولدهما، فيحزنان لحزنه ويفرحان لفرحه، حتى إنهما يتمنيان لو أصابهما السوء ولم يصب ولدهما، تمنيّاً صادقًا لا يخالجه شك، وفي مسند أحمد عن أنس - رضي الله عنه -، قال: "مرّ رَسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في نَفرٍ مِن أصحابه وصَبيٌّ في الطَّريق، فلمَّا رأت أُمُّهُ القوم خَشيَتْ على ولدها أن يُوطَأَ، فأقبلَت تسعَى وتقول: ابني ابني، وسَعَت فأخذَتْه، فقال القوم: يا رسول الله ما كانت هذه لتُلْقِي ابنها في النَّار، قال: فخَفَّضَهم رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وقال: لا، واللهُ لا يُلْقِي حَبيبَه في النَّارِ" وهذا كثير، تجد الأب أو الأم يضحي بنفسه لإنقاذ ولده.
وفي الأبيات المروية في قصة حديث "أنت ومالك لأبيك":
إذا ليلةٌ ضاقتك بالسقم لم أبت
لسقمك إلا شاكياً أتململُ
كأني أنا الملدوغ دونك بالذي
لدغت به دوني فعيناي تَهْمِلُ
فهذه حقيقة تعرفها الطباع السليمة، حيث تنتقل تلك العواطف وتتشكل في أحاسيس واقعة، قد تصل إلى مشاركة الحال دون تقصد.
وفي الآداب لابن مفلح عن الشافعي:
مرض الحبيب فعدتُه
فمرضتُ من حذري عليهِ
فأتى الحبيب يعودني
فشفيت من نظري إليهِ
وهذه قمةٌ في صدق الأحاسيس والعواطف، حيث يتأثر الحبيب بمصاب حبيبه ويسعد بسعده، وهو ما أشار إليه نبينا - صلى الله عليـه وآله وسلم - في قوله: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى".
وحيث تفقد تلك العواطف والأحاسيس الصادقة فهناك خلل في الادعاء، ولكن هناك من العواطف ما يكون كهرومغناطيسيا، هكذا شبهتها لعودها بالضرر على صاحبها وعلى الآخرين، وذلك كتجاوز الحد في المحبة والعاطفة حتى يدخل الضرر على المحبوب من حيث لا يشعر، كما يُروى وينشر أن أعرابيًا رأى امرأته نظرت من شباكها إلى رجال فطلقها، وأنشد:
وأتركُ حُبَّها من غيرِ بغضٍ
وذاك لكثرةِ الشركـاءِ فيهِ
إذا وقع الذبـاب على طعـامٍ
رفعت يدي ونفسي تشتهيهِ
وتجتنبُ الأسودُ ورودَ مـاءِ
إذا كنَّ الكلاب وَلَغنَ فيهِ
وللأسف كثيرا ما يروج لمثل هذه العواطف المدمرة المغالى فيها، وقد تصح وقد لا تصح، ونتجاهل روعة فعله - صلى الله عليه وآله وسلم - وجماله، حين رفع عائشة على كتفه لتنظر إلى الحبشة وهم يلعبون، وهو - صلى الله عليه وسلم وسلم - سيد الغيورين، ومتمم مكارم أخلاق المؤمنين!
ومن ذلك ما يُحكى أن أعرابياً في الجاهلية زُفّت إليه عروسه على فرس، فقام وعقَر تلك الفرس التي ركبت عليها العروس، فلما سئل قال: خشيت أن يركب السائس مكانها"!
وقد يأتي من يمنع محبوبه من النظر إلى السماء لأن الناس ينظرون إليه، إذا ما تركنا النكير على ذوي العواطف الكهرومغناطيسية، ولِمَ لا؟! وقد أسس لهم هذا المعنى من قال:
رأتْ قمرَ السماء فأذكرتني
ليالي وصلنا بالرقمتينِ
كلانا ناظرٌ قمراً ولكن
رأيـتُ بعـيـنهـا ورأت بـعـيـنـي
ولا سيما وديدنهم الاستشهاد بالشعر والقصص لمثل هذا. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1958393]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]