في هذا المقال سنستمر في قراءة مقال سيد قطب "مدارس للسخط"، والمنشور في مجلة الرسالة المصرية في عددها 691 وبتاريخ 30 /9 /1946م. يستمر سيد قطب في تعداد مدارس السخط التي سيقيمها لو كان له من الأمر شيء في دولته، حيث يذكر من أسماهم "الباشوات" وغير "الباشوات" ويقصد بهم أعضاء مجالس الشركات، وتهمته لهم أنهم "يلحقون بعضوية الشركات ليكونوا ستاراً لهذه الشركات في استغلال الشعب واستغفاله، ثم يدعون أن الشركات إنما قدرت فيهم الكفاية الممتازة (ما يأكلون في بطونهم إلا النار)!". فجميع أعضاء مجالس الشركات في سلة واحدة، وعمم حكمه عليهم بشكل جائر، مما جعلهم يستحقون –من وجهة نظره- مدرسة للسخط.
أما مدرسة السخط التي تليها فستكون موجهه لـ (الأرستقراط)، وقد وصفهم بأن "نصفهم يعلمون أن أصلهم القريب جارية أو معتوقة، ونصفهم الآخر -إلا عدداً يعد على الأصابع- يعرفون أنهم هم أو آباؤهم أو أجدادهم على أكثر تقدير أدوا ثمن هذا الثراء أعراضاً أو خدمات لا يقوم بها الرجل الشريف للاحتلال ولغير الاحتلال". وفي هذا القول تجنٍ كبير، فكيف يتهم هؤلاء المسلمين بأنهم أبناء جواري، وعملاء للاستعمار، بل ويطعن في شرفهم! يقول قطب: "والشعب ينظر ويعجب: أكان حتماً على هذا الشعب كله أن يكون أبناء جواري ومعاتيق، أو أن يقوم بخدمات لا يقوم بها الشرفاء للاحتلال وغير الاحتلال؟".
ولم يكن أبناء الشعب من غير الطبقة الأرستقراطية بعيدين عن صناعة السخط، حيث سيخصص لهم قطب مدرسة هم الآخرون: "ومدرسة للسخط على أولئك الذين ليسوا (أرستقراط)، إنما هم من أبناء الشعب، علمهم الشعب، وارتفع بهم إلى مقاعد الوزارة وغير الوزارة، وقد يكونون ممن تعلموا بالمجان لضيق ذات اليد والعجز عن أداء نفقات التعليم، ثم هم بعد ذلك يتسخطون على (مجانية التعليم)، لأنها تزحم المدارس بأولاد الفقراء، ولأنها تمزج بين أبنائهم وأبناء الفقراء، ولأنها تعلم أولادهم أخلاق الفقراء!".
سخط سيد قطب شمل الإذاعة: "ومدرسة للسخط على محطة الإذاعة، تلك المحطة التي تنقل ما في المواخير والصالات، وما في الأفلام السينمائية، وهي لا ترتفع عن المواخير والصالات"، وشمل كذلك الصحافة التي وصفها بالداعرة: "ومدرسة للسخط على تلك الصحافة الداعرة"، حيث لم يرَ في الصحافة المصرية سوى أنها: "تنادي الغريزة الحيوانية وتستثيرها في كل سطر وفي كل صورة، وهو عمل رخيص لا يحتاج إلى براعة صحفية، عمل يقوم به مديرو المواخير فيطاردهم بوليس الآداب في كل مكان! ودع عنك ما يقوم به بعض هذه الصحف من دعاية للاستعمار ولخدام الاستعمار، وما يثبطون به عزائم المصريين كلما هموا للجهاد في سبيل قضيتهم الكبرى".
ومرة أخرى تأتي نظرة سيد قطب بقالب التعميم الذي يتنافى مع التفكير المنطقي والعلمي. وتأتي النتيجة المدهشة لمدارس السخط القطبية في نهاية المقال، فحين سخط سيد قطب على كل شرائح المجتمع، ولم يبق لديه ما يسخط عليه خصص مدرسة سخط أخرى، أتدرون لمن؟ إنها للشعب، نعم للشعب: "وأخيراً مدرسة للسخط على هذا الشعب الذي يسمح بكل هذه (المساخر)، ويتقبل كل تلك الأوضاع، دون أن ينتفض فينبذ هؤلاء وأولئك جميعاً، وينفض يده من رجال السياسة المضللين، ورجال الأدب والصحافة المأجورين، ورجال الحكم المدلسين، ومن الأرستقراط والمتسقرطين! ومن دعاة المواخير: في محطة الإذاعة، وفي السينما، وفي الصحف، وفي المواخير!".
ويبقى سؤالنا: كيف مدرسة للسخط على الشعب؟ وفكرة المقال جاءت للدفاع عنه؟! إنها صناعة "السخط" التي بنت عليه الجماعات المتطرفة والإرهابية "خطاب الكراهية" الذي لا يستثني أحداً، إلا هي ذاتها. وسبب سخط سيد قطب على الشعب أنه -بالمختصر المفيد- لم "يثر" على حكومته، حيث أظهر لهم سيد قطب أن كل شيء في المجتمع، وكل شريحة، تستحق السخط، والهدف التهيئة لهذه الثورة المنتظرة. حمى الله أوطاننا وأتم عليها نعمة الأمن والأمان.




http://www.alriyadh.com/1958610]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]