عدتُ من الرياض قبل أُسبوعين، وما زالت في ناظري مشاهداتٌ فيها لا يمكنني تجاوُزُها، كي أَكون وفيًّا لِما عاينْتُ وشاهدتُ ولاحظتُ واختبَرت. كان ذلك إِبَّان وجودي في الرياض أُسبوعَين، ضيفًا على مسرح كركلَّا في مسرحيته الجديدة "جميل وبُثَينة" التي تجري أَحداثُها في العُلا بدءًا من "وادي بَغيض" الذي حدَّد الشاعر تاريخه وظروفه ببيتيه الشهيرين:
وأَوّل ما قادَ المودّة بيننا
بِوادي بَغيضٍ يا بُثَينَ سِبابُ
وقلنا لَها قَولًا فجاءَت بمثْله
لكلّ كلامٍ يا بُثَينَ جَوابُ
ويكون أَن هذه المسرحية الباهرة الإِنتاج رقصًا ونصًّا وغناءً وموسيقًى وأَلحانًا، استقبلَها مسرح جامعة الأَميرة نورة بنت عبدالرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود، كبرى شقيقات الملك المؤَسس عبدالعزيز الذي كنتُ عرفتُ عنه الكثير من قراءتي مؤَلفات أَمين الريحاني: بالعربية "ملوك العرب" (1924)، و"تاريخ نجد الحديث" (1927)، "ابن سعود: شعبه وبلاده" (1928) وبالإِنكليزية "ابن سعود ونجد" (1927)، وصولًا إِلى أَحدث ما صدر في هذا الموضوع: "الرسائل المتبادَلة بين الملك عبد العزيز وأَمين الريحاني" (2001).
في تلك الجامعة الكبرى عاينتُ مسرحَها الفخم الحديث (2200 مقعد) احتشد له طيلة خمسة عروض كركلَّا جمهورٌ ثقيفٌ تَفاعل مع المسرحية تاريخًا: أَحداثُها تجري على أَرضٍ سعودية، وفنيًّا: بما حملت المسرحية من جمالات موسيقية وغنائية وكوريغرافية وأَزياء بهيجة وملابس زوَّاغة الأَلوان وديكور ضخم متحرِّك متنقِّل وشاشة كبرى أَضافت بُعدًا ثالثًا إِلى المسرح فنقلَت الـمُشاهد من محدودية خشبة المسرح إِلى فضاءات خارجية لامحدودة. وإِلى الجمهور الثقيف كانت لي لقاءات مع زملاء وأَصدقاء سعوديين لمستُ لديهم حسًّا رهيفًا لاقتبال العمل الفني وكل عمل ثقافي يستعدُّون له في ما يختزنون من ثقافة وخلفية معرفية.
ولأَنني قبلًا (في التسعينات) كنتُ أَزور الرياض مشاركًا في "مهرجان الجنادرية"، وجدتُ الرياض هذه المرة متأَلّقةً أَكثر بجديد العصر، ومواكِبةً التطور العمراني منافِسةً أَرقى العواصم، فكنتُ أَجتاز المسافة بين الفندق والمسرح (نحو نصف ساعة بالسيارة) وأُعاين وَرشة متحركة لا تهدأ، لتوسيع الطرقات السريعة، للحفر في أُسس أَبنية شواهق، مترو انتهت سكَّتُه فوقنا في أَكثرَ من نقطة ومنعرَج ويستعدُّ ليكون في خدمة ركَّابه مخفِّفًا من زحمة المدينة خصوصًا في ساعات الذروة.
أَحببتُ ليل الرياض، مشِعًّا بمعالمه الناشبة أَبراجًا تتنافس في ما بينها وفْقَ أَحدث المدارس والتيارات والتصاميم الهندسية وأَكثرها أَناقةً وبراعات. ولم أَلتقِ أَحدًا من الزملاء والأَصدقاء، سعودييهم واللبنانيين، إِلَّا وحدَّثني عن الرؤْية التي تعمل عليها المملكة كما خطَّط لها ولي العهد الأَمير محمد بن سلمان لتكون "السعودية 2030" زنبقة الخليج الناظِرة إِلى منافسة العالم، عربيِّه والغربيّ، تَطَوُّرًا وعمرانًا ونهضةً تجعل المملكة رائدةً في كل حقل نهضويّ، وهو ما عاينتُه في كل فاصلة من الرياض، وحدَّثني بالوقائع عن جانب منه سفيرُنا اللبناني في الرياض الصديق الدكتور فوزي كبَّارة.
وكنتُ قبلذاك، خصيصًا لــمهرجان "جائزة الفرح"، كتبتُ قصيدتي "مملكتي الخضراء" (لـحَّنها أُسامة الرحباني) استندتُ لها، عن بُعد، بــ"رؤْية محمد بن سلمان 2030"، حتى إِذا زرتُ الرياض قبل أُسبوعين عاينتُ عن قُربٍ أَخضرَها النهضوي.
هذا لأَقول إِن البلاد التي تُضْمر أَن تُنصّع غدَها، تُسْلس قيادتها إِلى حاكم يحمل رؤْيةً تأْتي من الغد كي تُنصّع به حاضرها فتستحقُّ عندها غدًا غيرَ عادي.
وهو هذا ما عاينتُه قبل أُسبوعين إِبَّان إِقامتي الوميضة في روضة الرياض.




http://www.alriyadh.com/1959284]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]