"الرياض"..
أيهما؟
المدينة؟ أو الصحيفة،
وكلاهما الشهيق، والزفير؟
الحياة لكل ثانية من نبضٍ..
إيه يا أخي العزيز "هاني وفا"..
جئتني بعمرٍ تركته في ذرات هذه "الرياض" الصحيفة يلتحم بأول شهقت لها، في ثغر طُلعتي..
حين كانت هذه الوريقات الثمان وليدة لأحلام ذلك المؤسس المؤرخ الفذ
"حمد الجاسر، وهو رسمها حلما، وجعلها واقعا..
كانت وليدة في 1-1-1385 للهجرة، وكنتُ معها للتو أقف على قدمي..
ذلك" الحمد" المحمود كان " الجاسر" على الوقت، والمضمون حين سبق بشهور أن ربّت على رأسي حيث فوجئ بمن تقف عند باب مطبعة الصحيفة "اليمامة" تحمل وريقات كتابةٍ كانت تشهق بالشغف حروفها، تزفره كليمات كتبها "لليمامة" صحيفته البدء،
يومها فوجئ بهذا الكائن الناشئ الصغير يقف على استحياء، فقرر من بعد أن يكون قلمها حاضرا في"زاويتي" ضمن كبار كُتاب صفحتها الثالثة..
لن تتخيل أخي "هاني" كيف قفزتُ فرحا برسالته حين قرر فيها أن تكون هذه الصبية ضمن كُتّاب صفحة العدد الأول الثالثة من "الرياض" في عددها الأول
الأول يوم ولادتها،
في حين تفكَّر أبي: كيف لهذه الناشئة أن تكتب جوار كبار سبقوها قلما وفكرا وزمنا؟..
لكن "الجاسر" أصرّ، وامتدت المسيرة....
منذها و"الرياض" الصحيفة موطن الشغف، والعطاء، بكل من مررت به من رؤسائها، ومحرريها، ومصححيها، وكتابها، وكاتباتها، وبما مرَّ بي من الفكرة إلى التنفيذ، إلى يوم غادرتها لم آخذ معي شيئا ..
تركتُني في طياتها كلمة، ووفاءً..
إنَّ دعوتك لي خلال ثلاثين ساعة أن أكتب لهذه الغالية "الرياض" عن تجربتي في إدارة التحرير كأول من تكون في هذا المنصب، بعد أن كنتُ كاتبتها الأولى بمناسبة احتفائها بمشارفة الستين من عمرها المديد أثلجتني، وفي الوقت ذاته حيَّرتْني، فالزوَّادة عن "الرياض" الصحيفة يا أخي "هاني" عامرة غامرة، ثرية ندية، متنوعة مكتظة، لا تكفي ما سيُفضى منها لا في صفحات، ولا في وقت قصير مثل هذا، بل ولا يكفيني لهذا مدادٌ ..
طويلة هذه الرحلة يا سيدي..
غير أنني سأمر سريعا هنا فأقف عند بعض ما يطوف بي الآن من أفكار تتزاحم في رأسي أدونها باختزال شديد..
أخي "هاني":
"الرياض" الصحيفة لم تكن رمزا للمدينة فقط، بل كانت رمزا للتحديات منذ بدء صدورها، إذ كانت على النهج الذي ساد صحيفة الكُتَّاب، ثم نشأتْ رغبة مسؤوليها فأصبحت صحيفة الخبر، والتحقيق الصحفي، ثم استقطبت الصورة، ومعها "الكاريكاتور" الهادف الناقد، فنافست بأهميتهما كثيرا من الصحف الأخرى، لكنها بلغت أوجها واحترفت مهنتها في عهد رجل الصحافة الماهر "تركي السديري"، فهو نموذج فاخر ومؤثر في "ميهنة" العمل الصحفي حين لم تكن هناك مدارس تعلم فنونه، ولا تدرب على اكتساب مهاراته، لكنه صنع بموهبته، وحنكته، للمهنة مسطرتها، وللعمل الصحفي مهاراته، وأبعاده، وأهميته، لذا كان يُميَّز، كما كان يُميِّز بين الكفاءات، والقدرات، ويوجه نحو الدقة في العمل، والاتقان في التنفيذ،،
كان طموحا ليجعل من "الرياض" صحيفة القفزات والتمكين، والمبادرات الفذه الفارقة وفعلَ، سواء في استقطاب ما يحقق للعمل الصحفي رياداته، ويحقق أثره في مفاصل المجتمع باختلاف التوجهات، والقضايا، وأجناس المعرفة أدبا، وثقافة، وسياسة، ومجتمعا، وأحداثا، وشخوصا، فتنفيذا، ووصولا إلى مواكبة كل ذلك داخليا، ودوليا، فيما تحتويه صفحات "الرياض" من مضامين مجتمعية، أو دولية، توَّجها بافتتاح مكاتب للصحيفة في جميع أنحاء العالم، العربي، والإسلامي، والغربي فأصبح لها فيما بعد إلى جانب ممثلي الجريدة، ممثلات نساء كمندوبات ومراسلات كأول صحيفة سعودية تنفذ هذا..
في الوقت ذاته كنتُ أواكب معه هذا الطموح في الجانب النسائي..
فإلى جانب الصفحات المخصصة للمرأة في "الرياض" المستقلة عن بقية اختصاصات الصحيفة، مزجنا أداء المرأة الصحفية فيها ضمن العمل الصحفي المشترك، في حين بقيت الصحف الأخرى على ما كان سائدا..
ثم أضفنا إلى ما سبق من وجود صفحات للمرأة والطفل إلى أن جعلنا لها ملاحق، واستقطبنا لها موهوبات كنتُ في البدء أدربهن، وألتقي بهن في منزلي، ثم في مكتبي في الجامعة حيث منهن من كانت تدرس فيها إلى أن قفز "تركي السديري" بكل الطموحات مجترئا على السائد في المجتمع من تقليص دور المرأة فمدده، ورفده بتعييني مديرة للتحرير، جوار زملائي، وتوّج هذا القرار بوضع الاسم ضمن منصة التحرير الرئيسة، ثم بعد ذلك تم افتتاح المكتب النسائي داعما للقرار الذي كان جريئا لفت أنظار وكالات الأخبار دوليا وعربيا.. واستقطب رضاء المسؤولين فكان أول المبادرين بتهنئتي هاتفيا الملك سلمان -حفظه الله-، والأميران سلطان بن عبدالعزيز، ونايف بن عبدالعزيز، ..
هذا المكتب حقق أن كان بوتقة خرجت منه أسماء كثيرة في المجال الإعلامي والصحفي، وفيهن كثيرات من الأسماء المعروفة، وله سبق الأخذ بهن نحو طموحاتهن..
لم أبخل حين كنتُ أُدعى بصفتي الشخصية فتكون نساء زوجات الخارجية لمختلف الدول كأمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها مكان دعوتي لهن بزيارة لمكتبنا النسائي، أو إجراء حوار معهن لـ"الرياض"، فكانت الصحيفة الوحيدة تحظى بلقاء الشخصيات المختلفة..
هناك شخصية نسائية بارزة في التجربة انضمت إلى مكتبنا النسائي فقدمت الكثير من العطاء الصحفي المهني المختص هي الأخت العزيزة "سوسن مصطفى" الصحفية المصرية المعروفة حملت على عاتقها التدريب المهني للمحررات، وأنشأت إرشيفا لا يزال "إن شاء الله" لتلك الحقبة التي أضاف إليها "تركي السديري" متابعته بحرصه المعهود، وتحفيزه اليقظ، ومواقفه التي دعمت تمكين مبادرته السبَّاقة.
ولعل سعادتي الغامرة أن تقلدت الإشراف على المكتب من نشأت فيه، ونمت، ولا يزال علامة للصحيفة..
أخي "هاني":
لعل من جميل ما كان لي في "الرياض" الصحيفة أنني كتبت "كلمة الرياض" الرئيسة لأكثر من مرة..
لكن من الأعجب أنني تنازلت مرة عن مقالة لي نشرت في الطبعة الأولى لتُنشر مكانها أخرى لكاتب في الطبعة الثانية للعدد ذاته !.
ومن الأجمل أن كنتُ أتعهد بمراجعة الطبعة الأولى وإبداء الملاحظات فيما يرد فيها من أخطاء طباعية لغوية، أو يرد مضمون يحتاج لصياغة فيوجِّه رئيس التحرير المختصين إليه، وبقيت على هذا حتى مضيت..
يراودني "من الخاطر"، ويحف بي "البعد الذي لا يغيب"، وتحوك في دخيلتي أنسام رائحة ورقها "هذه الرياض" التي معي عندما يتنفس الصبح على أبخرة الشاي ألتقم حروفها، وأُبحر في أنهارها..
أهنئ الرياض" مشارفتها هذا العمر المديد، وأهنئ كل نسمة في أنفاس أهلها، بدءا بأخي العزيز "خالد فهد العريفي"، وأنت، إلى عامل السنترال في مشارف مدخلها..
وأتمنى أن يوفقكم الله أخي "هاني" لمواصلة التحديات، لينام "تركي السديري" قرير العين، مع رفيقي كفاحه العزيزين "محمد أبا حسين"، و"محمد الجحلان" تحفهم دعواتنا..
وللباقين من الأمنيات أطيبها..
وليبقى لـ"الرياض" الصحيفة وهجها في "الرياض" المدينة عاصمة التحديات وموئل النجاح.
أشكر لك دعوتك، وأتمنى أن أكون أوفيت بالنزر.




http://www.alriyadh.com/1965008]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]