هل سبق لك أن خرجت في يوم بارد وشعرت بإرهاق شديد ومرضت بعد ذلك اليوم؟ أغلبنا سيربط بين البرد والمرض، وإذا تكرر الأمر، ستستقر العلاقة ذهنياً بينهما. ثقافياً، سنتعلم العلاقة بين الاثنين من المجتمع ابتداء من البيت، فلن تدعك والدتك تخرج دون لبس دافئ في البرد خوفاً عليك، وستشرح لك العلاقة حمايةً لك مستقبلاً.
لعل أكثرنا بعد جائحة كورونا تبين له دور الفيروسات في المرض وعلاقته بفصول السنة أكثر من أي وقت آخر، مما جعلنا نتعرف على تفاصيل كثيرة كانت تنقصنا. وكما مر بنا في المقالات السابقة، فإن المخ جهاز عالي الكفاءة، فهو يبحث عن أقصر الطرق للوصول إلى تفسير مناسب بناء على المعرفة المتوفرة له، فطالما أن البرد والمرض مترادفان في أكثر من مناسبة، فهو يربط بينهما دون الدخول في التفاصيل.
بعد تطور العلم وجد أن كثيراً من الحكم الموروثة والعادات التي تتعلق بالصحة تنقصها الدقة، فإذا فسر المرض بالبرد، فإن ذلك ناتج عن غياب المعرفة بدور الفيروس الذي لم يكتشف إلا متأخراً، فلماذا يسارع الإنسان في الوصول إلى نتيجة بالربط بين حدثين لا علاقة مباشرة بينهما؟ السبب أننا مجبولون على تفسير الأحداث طبقاً لما يعرف الآن بالانحياز للمتوفر.
إذا لم ندرك الحقيقة كلها فإننا نميل إلى استخدام المتوفر منها لتفسير الأحداث. ولا يكون توفر الحقيقة باعتبار وجودها المطلق، إنما توفرها لدى المفسر للأحداث عموماً، وحضورها الذهني خصوصاً. إذا توفرت لأحدنا معلومة جديدة لم تكن موجودة سابقاً، وكانت هذه المعلومة حاضرة في الذهن، فإن لها قيمة أكبر في تفسير الأحداث من معلومة قديمة لها التأثير نفسه لولا أنها نسيت أو كادت.
على سبيل المثال، لنفترض أن شركة متداولة قررت توزيع أرباح إضافية على المساهمين، وسبق الإعلان بشهر تقريباً إعادة تشكيل مجلس إدارة وتعيين عضو منتدب جديد، المعلومات المتوفرة لغير المتابع الدقيق هي توزيع الأرباح والتعيينات الجديدة، مما يدفع إلى الاستنتاج أن الإدارة الجديدة وراء قرار توزيع الأرباح الإضافية. لا شك أن بيد الإدارة الجديدة إيقاف توزيع الأرباح حتى لو كان مقرراً من الإدارة السابقة، لكن قد تغيب معلومة مهمة مثل زيادة ربح الشركة لسنتين متتاليتين كعامل مؤثر في القرار، مهما كان دور الإدارة الجديدة، فإن ارتفاع أرباح الشركة يجعل قرار زيادة نسب التوزيع على المساهمين مطروحاً أمام أي إدارة جديدة أو قديمة.
من جهة أخرى، يلعب الانحياز للمتوفر دوراً في تعزيز الصور النمطية وتشكيل الرأي العام بناء على المعلومات المتوفرة للمجتمع. في حالات معينة، تدفع المعلومات الموجهة إلى تبني مواقف متناقضة لوجود أكثر من مصدر للمعلومة. المهم أن نتذكر أن لكل حدث معلومات تعرفها وأخرى لا تعرفها، وربما كان الذي لا تعرف أهم وأكبر مما تعرف.




http://www.alriyadh.com/1965322]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]