ليس من الجديد القول إن الاعتماد على مقياسٍ واحد لاتخاذ القرار سوف يقود إلى نتائج كارثية، غير أن الواقع يشير إلى أن كثيراً من عمليات صنع القرار في الشركات الكبرى تعتمد بشكل أساسي على المقاييس الكميّة فقط، مع تجاهلٍ لغيرها من العوامل والظروف! وهو ما يعرف بمغالطة "ماكنامارا" المنطقيّة.
بعد تقاعده برتبة "مقدم" من القوات الجوية الأميركية، استقطب "روبرت ماكنامارا" للعمل مديراً تنفيذياً في شركة "فورد للسيارات"، ضمن مجموعة تكوّنت من عشرة من قدامى محاربي القوات الجوية، أطلق عليهم لقب "ويز كيدز"، ساعدت هذه المجموعة على إصلاح شركة "فورد"، عبر تبني مبادئ التخطيط الحديث وأنظمة التحكم الإدارية، وأهمها: "مراقبة العمليات الإحصائية"، وهي طريقة لتنسيق المعلومات التشغيلية واللوجستية، ثم اتخاذ القرارات بناءاً على الأرقام، لاحقاً عيّن "ماكنامارا" رئيساً تنفيذياً لعملاق صناعة السيارات الأميركية، إذ ساهمت هذه الأساليب في تطوير العمليات اللوجستية، وغيّرت طرق إدارة المنظمات الكبرى.
بعد انتخاب الرئيس "جون كنيدي" استقطب "ماكنامارا" وزيراً للدفاع، وأضحى مستشاراً مقرباً من الرئيس، ليجلب معه تلكم الأساليب الكمية في اتخاذ القرار، وبالذات في حرب فيتنام التي تورطت فيها أميركا، ببساطة كان تقدير الوزير للتقدم في الحرب يعتمد على عدد جثث العدو، أي عدد القتلى من الفيتناميين! مع تجاهل لجميع المتغيرات الأخرى من سياسية ورأي عام ولوجستية! بالطبع هذا زاد من أمد الأزمة، ثم خسارتها في النهاية، ومن هنا ارتبط اسم هذه المغالطة المنطقية باسم الوزير "ماكنامارا"!
قد تنجح المقاييس الكمية في حالات، لكنها حتماً تفشل حينما يعتمد عليها بشكل أساسي، لأن الأرقام ليس لها معانٍ مجردة ومنفصلة عن السياق، أيضاً هي أحد أهم تحديات العوالم الافتراضية، التي تعتمد على الأرقام بشكل أساسي في تصميمها وأحداثها فتقع في "المغالطة الكميّة"، لأن القرارات فيها تتخذ استناداً على المقاييس الكمية مع تجاهل السياقات الأخرى الموجودة في الحياة الحقيقية.
رغم وضوح المغالطة إلا أنها لا تزال أحد أهم الأخطاء التي ترتكب على مستوى الإدارات العليا في الشركات الكبرى في مناقشة الموضوعات واتخاذ القرارات، حين الاعتماد على التقارير الإحصائية فقط، دون ملاحظات العوامل والمعلومات الأخرى، مما يؤدي إلى ضياع الصورة الكبرى، واتخاذ قرارات خاطئة وقد تكون مدمرة للشركة أيضاً! وخاصة في التخطيط الاستراتيجي الحكومي، وبالذات حين الاعتماد على المكاتب الاستشارية، التي تعتمد في تشخصيها وخطط الحلول على المقاييس الكميّة بشكل أساسي، مع تهميش للعوامل الأخرى وبالذات الثقافية والاجتماعية.
من المهم دوماً النظر لكافة العوامل قدر الإمكان، وليس فقط الاعتماد على العوامل الكميّة -التي قد تبدو براقة ومقنعة في أحوال كثيرة-، وبالذات حين مناقشة قضية أو اتخاذ القرار، حتى نتجنب الوقوع في فخ هذه المغالطة، التي غالباً ما تقود إلى نهايات مأساوية.




http://www.alriyadh.com/1965323]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]