عندما كنت أعمل صحفياً في هذه الجريدة، أتذكر أنه كان يملؤنا -كأسرة تحرير- شعور غامر بالفخر والانتماء، الأبواب الموصدة تُفتح أمامك خلال مهمتك الصحفية بمجرد أن بطاقة عملك التي تحمل شعار "جريدة الرياض"، فأنت تنتمي لأقوى صحيفة سعودية آنذاك، وتعمل تحت رئاسة أيقونة الصحافة السعودية الأستاذ تركي السديري -رحمه الله-.
هذه الأيام نحتفل والزملاء بمرور ستين عاماً على ولادة هذا الصرح، تشرفت بمعايشة خمسة عشر عاماً منها خلال عملي في هذه الصحيفة، رأيت وشاهدت وعاصرت أسباب النجاح والتطور والازدهار التي قامت على أساسها قصة الجريدة، تلك القصة التي امتزجت فيها "الرياض" باسم أهم وأقدم رؤساء تحريرها، الأستاذ الكبير تركي السديري الذي قدم لها أكثر من 40 عاماً من عمره، وسطر قصة نجاح مذهلة، نقل خلالها الجريدة من مرحلة البدايات البسيطة المتعثرة، إلى مرحلة النضج ليؤسس إمبراطورية إعلامية على أعلى مستويات الاحترافية في العمل الصحفي.
الأستاذ كان ينطلق من رؤية استراتيجية فطرية لم يتعلمها في الجامعات، قاد الجريدة كمشروع ريادي انطلق فيه بتطوير خطوط أساسية متوازية، عمل على الاستثمار في الصحفيين الجدد ودعمهم وتطويرهم وابتعاثهم، كان يستثمر على المدى الطويل في المحررين الذين يشعر بموهبتهم والتزامهم، كما عمل على تطوير الخط التحريري للجريدة عبر خلق صفحات تهم الجمهور ليجعل الجريدة من صفحة الغلاف وإلى الصفحة الأخيرة وجبة يومية جميلة وممتعة للقارئ. كان حريصاً -رحمه الله- على أعلى معايير الجودة، مكائن الطباعة، الألوان، الورق، طريقة الإخراج، نوعية كتاب الرأي، المحتوى، كلها يجب أن تكون الأفضل، لتليق بالاسم الذي كرس له حياته؛ "الرياض".
كل هذه الخطوط المتوازية التي سار فيها الأستاذ، كان يحرص خلالها ألا تضيع المبادئ الأساسية للعمل الصحفي، وبالتالي كانت ثقة القارئ في الجريدة فوق كل اعتبار، ولذلك أصبحت صحة الخبر لا جدال فيها إذا نشرته صحيفة "الرياض". وما زلت أذكر إلحاحنا على الأستاذ تركي لنشر سبق صحفي لأحد الأخبار وكان يرفض حتى يتأكد من دقته تماماً، كانت القاعدة التي علمنا إياها أنه من الممكن التضحية بالسبق الصحفي إذا وجدت ولو احتمالية ضئيلة في أنه قد يؤثر على مصداقية الجريدة.
وأخيراً، نحتفل هذه الأيام بمرور ستين عاماً على هذا الصرح الإعلامي الكبير، ولا بد خلال هذه الاحتفالية أن نتذكر عراب "الرياض" ومؤسس نهضتها، الأستاذ تركي السديري الذي كتب قصة رائعة لكيان صحفي شكل جزءاً مهماً من ذاكرة هذا الوطن.




http://www.alriyadh.com/1965625]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]