مما تجب الدقة فيه ضمان بقاء قرار القسم وتوصيته التي صَدَرَتْ وفق النظام دون أن تمتد إليها يدُ التغيير والتحريف؛ وذلك لأن القرار خلاصة جهد الأعضاء وأحكامهم التي يُسألون عنها أمام الله تعالى ثم أمام النظام، والتصرف فيها من قبل غيرهم لا يسوغ بأي شكلٍ من الأشكال..
لمخرجات الدراسات العليا أهمية بالغة؛ لأثرها المباشر على الفرد والمجتمع؛ ولدورها المحوري في تنمية الأوطان ودفع عجلة تطورها إلى الأمام هذا إن كانت على ما يرام من استكمالها لمعايير الجودة في بابها، والعكس بالعكس فإذا كانت ضعيفةً شكليةً أخَّرتْ ولم تُقدِّم، وأوهنتْ ولم تقوِّ، وفاقد الشيء لا يعطيه، وبناء على ذلك فعلى مسؤولي الأقسام العلمية التأكد من أن ما يقبلونه من المواضيع مستوفٍ لشروط النظام؛ حتى لا يضرِب القسمُ في حديدٍ باردٍ، وتضيع الجهود فيما لا يُستفادُ منه، ولا يخفى على ذي بصيرةٍ أن الأقسام العلمية -بصفتها النواة الأولى لاتخاذ القرارات، وإصدار التوصيات المؤثرة في الدراسات العليا- عليها عبءٌ خاصٌ في التدقيق والتمحيص، وتحمُّلُ هذا العبء يستلزم من مسؤوليها وأعضائها وضع الأيدي على مكامن القصور -إن وجد- وتقديم الاقتراحات التي من شأنها تلافي أية إشكالية تعرقل أداء القسم مهامه على الوجه اللائق، وفيما يلي اقتراحات واقعية أقترح وضعها في الحسبان:
أولاً: ضرورية قيام القسم بواجبه المنوط به وفق النظام، فالنظام أُولى بركاته أنه يكفي الموظف مؤونة الاجتهاد في مفهوم المصلحة المراد جلبها والمفسدة المقصود درؤها، وإنما يبقى له مجرد تطبيق النص النظامي على الواقعة، فهو مُنفِّذٌ لا مُقرِّرٌ، ومحكومٌ لا حاكمٌ، فليست له الخيرة فيما يدع ويذر، وإنما الموكول إليه اجتهادٌ محصورٌ في توفر شروط النظام على الموضوع المطروح، وإنما يُستعانُ على ذلك بتربية احترام ومهابة النظام في النفس، فلا يتفسّح بالمشي على أطراف هوامشه التي ليس بينها وبين الفساد إلا شعرة، ومن المتقرر أن الإنسان لا يحوم حول ما يُريدُ التوقّي منه، وإذا رُئي يحوم حول ما من شأنه أن يُخاف منه وُصف بأنه غير خائف منه، والراعي إذا رعى حول الحمى أوشك أن يقع فيه، والنظام لا يتجاسر الناس على محادّته بصراحة، وإنما يخرقه من يخرقه بتأويلات لا يحتملها، وتوسُّعٌ فيما يُضيِّقُ فيه المجالَ، وإطلاق مقيداته بلا مستندٍ قانوني، والأقسام العلمية أحقُّ من يُنتظر منه احترام النظام؛ إذ لا يصل إليها إلا من استبانَ الأمورَ، ونضجت معارفه، واكتملت مداركه، ولَمَسَ من خلال حياته يُـمْنَ النظام وبركاته.
ثانياً: أن لا يتضمن جدول الأعمال إلا المواضيع التي اسْتُكْمِلَتْ فيها المتطلبات النظامية، فجدوى وضع المقنن لوائح المتطلبات النظامية أن تكون مِسْطَرَةً يُرسمُ على وفقها -بكل عدلٍ وإنصافٍ- الخط الفاصل بين ما يلج من المواضيع وما لا يلج، ومعياراً يُفرِّقُ بين ما يستحق أن يُدعى الأعضاء إلى مداولة الرأي فيه وبين ما لا يصل إلى تلك الدرجة؛ وبهذا يُحفظُ وقتُ الجميع، وتُحسمُ مادة تمرير ما لا يسمح النظام بتمريره، وبه تكون التوصية بالقبول أو الرفض قد صَدَرَتْ مطابقةً للنظام الذي يحكمها، وهذا مع أنه المتوافق مع النظام إلا أنه يحمي القسم وأعضاءه من التلبس بأي شبهةِ فسادٍ أو تغاضٍ عمّا لا يسوغ التغاضي عنه، وبسبب عدم تهيئة المتطلبات النظامية قبل عرضها على مجلس القسم تصدر في بعض الأحيان من القسم قرارات وتوصيات غير نظامية يتحمل مسؤوليتها كل من شارك في ذلك.
ثالثاً: قيام أعضاء القسم بواجبهم تجاه ما يُطرحُ في جلسة القسم من مواضيع من جهة التأكد من نظامية الموضوع المطروح، ومن جهة المشاركة والإسهام الفاعل في مناقشتها، ولا يسوغ للعضو أن يكتفي بتحسين الظن بالموضوع - مع أن اجتيازه لفحص المتطلبات النظامية ربما يكون شكلياً - وأن يجعله ذريعةً لعدم القراءة والتمحيص، ومعلومٌ أن سبب ردِّ بعض المواضيع لا يبدو لمن لم يُمحِّصه، فعلى سبيل المثال: كون موضوع البحث مكروراً لا يُضيفُ إلى الحقل المعرفي شيئاً ولا يتسمُ بالجدّة والأصالة والابتكار: لا يظهر بالنظرة العجلى، ولا يُكتفى فيه بما يعرضه الباحث؛ لأن قصاراه أن يستفرغ وسعه، ويتحرّى النصح للعلم، لكنه يبقى طالباً يحتاج إلى أخذ الأستاذ بيده، وقد يظهر للأستاذ المتمرس بخبرته وطول دُربته أن الموضوع مُستهلكٌ مُكرّرٌ مع أن الطالب يظنه مبتكراً، كما أن بعض المواضيع قد ينطوي على مخالفاتٍ فكريةٍ، والنظرة الثاقبة من الأستاذ هي الكفيلة بتمييز ذلك، فعضو القسم يحتاج في التعامل مع الموضوع إلى بذلِ جهدٍ كجهد المناقش إن لم يحتج إلى أكبر منه.
وأخيراً: مما تجب الدقة فيه ضمان بقاء قرار القسم وتوصيته التي صَدَرَتْ وفق النظام دون أن تمتد إليها يدُ التغيير والتحريف؛ وذلك لأن القرار خلاصة جهد الأعضاء وأحكامهم التي يُسألون عنها أمام الله تعالى ثم أمام النظام، والتصرف فيها من قبل غيرهم لا يسوغ بأي شكلٍ من الأشكال، بل فاعله واقعٌ في الجريمة الجنائية.




http://www.alriyadh.com/1967110]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]